بقلم ناصر قنديل

أوروبا و«إسرائيل» ومقامرة الغاز عبر المتوسط: ناصر قنديل

أعلن وزير الطاقة في كيان الاحتلال عن البدء بوضع مشروع أنبوب للغاز الإسرائيلي عبر المتوسط إلى أوروبا قيد التنفيذ، والمشروع الذي يفترض مروره بقبرص واليونان وإيطاليا ويكلّف مليارات الدولارات ويحتاج إنشاؤه لخمس سنوات، موّلت دولة الإمارات دراسته التنفيذية بمبلغ مئة مليون دولار، وفيما يهدف المشروع نظرياً لتحرير أوروبا الجنوبية من الغاز القطري، يواجه ضمناً منافسة لبرنامج السيل الجنوبي للغاز الروسي عبر تركيا، ولاحقاً الغاز الأميركي الصخري الذي يسعى لدخول السوق الأوروبية من البوابة الجنوبية التي تمثلها إيطاليا واليونان تفادياً لحرب أسعار مع روسيا في شمال أوروبا لا تستطيع مجاراتها لارتفاع كلفة النقل .

المقامرة ليست في مجرد الدخول في منافسة مع روسيا وأميركا، بل في كيفية ضمان أمن أنابيب نقل الغاز عبر المتوسط في ظل احتمالات لا تنفك «إسرائيل» وحكوماتها وقادتها من التلويح بالحرب خلالها على المقاومة في لبنان وفلسطين. والأوروبيون أنفسهم كانوا شركاء في مشروع أنبوب نفطي عام 2006 ينقل النفط من أنبوب كازخستان إلى تركيا لبلوغ الساحل الفلسطيني المحتل، تحت اسم «سيبان أشدود» لتأمين مصدر نفطي على المتوسط في محاولة الالتفاف على مخاطر إغلاق مضيق هرمز في أي مواجهة مع إيران، وقد موّل المشروع إئتلاف شركات وبنوك كانت ألمانيا مركزه عبر دوتش بنك وشاركت فيه شركتا توتال الفرنسية وأيني الإيطالية، ويوم وضع الحجر الأساس للمشروع في 12 نيسان 2006 في مرفأ جيهان سيبان التركي، كانت الإشارة الأولى لحرب تموز على لبنان، لأن أمن الأنبوب يستدعي إنهاء التهديد الذي تمثله المقاومة في لبنان، والتي ستشكل في أي لحظة حرب لاحقة مصدراً للقلق على الاستثمارات المنفقة في إنشائه وعلى قدرته على ضمان تدفق النفط عبره.

المشروع الجديد أضخم بكثير، ويتم ربطه بحاجات أوروبية مباشرة، ومخاطر الحرب أكبر بكثير في الخطاب الإسرائيلي، ومخاطر ما سيناله المشروع من جانب المقاومة كمشروع استراتيجي لكيان الاحتلال، هي أيضاً أكبر بكثير في ظل قدرات المقاومة المتنامية، ومنطقي أن يعلم الأوروبيون والإسرائيليون وأن يكونوا قد وضعوا في حساباتهم ما سيناله المشروع من خراب في أي حرب مقبلة، وهم قد استبقوا معاً مشروعاً أقل منه حيوية بمشروع حرب لتأمينه مسبقاً، فهل تتضمن المقامرة الجديدة مشروع حرب أخرى، لا يعقل أن تكون أوروبا بوارد التورط في حساباتها الخاسرة بعدما كشفت المواجهات التي شهدتها المنطقة عن حجم التراجع في القدرة العسكرية الإسرائيلية على فرض الوقائع، وما ظهر من مقدرات المقاومة على فرض معادلاتها، كمحور ممتد من إيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن.

قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، خصوصاً ليست بعيدة عن قراءة ما يتصل بالمشروع والبدء بتحميل إحداثياته حلقة حلقة على بنك أهدافها، وإيصال الرسائل اللازمة للذين يضعون أموالهم في وهم إنشائه واستثماره، ومن المنطقي أن يأخذ المعنيون كلام سيد المقاومة السيد حسن نصرالله عن منصات الغاز

الإسرائيلية واعتبارها ضمن بنك أهداف المقاومة في أي حرب مقبلة، بصفته شاملاً لكل ما يتفرع عنها ويتصل بها من شبكات أنابيب وموانئ تصدير. كما من الطبيعي أن يفكر هؤلاء بأنهم يضعون أموالهم على كف عفريت، لكنهم يضعون استقرار مصادر الطاقة التي يعتمدون عليها في بورصة القلق الدائم المرتبط بأمن هشّ لكيان يملك الكثير من وسائل الدمار والقليل من القدرة على تحقيق النصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى