عن سورية والعروبة وفلسطين
غالب قنديل
يشعر بعض الأشقاء في سورية بغصة كبيرة اتجاه ما تركته من آثار موجعة سنوات العدوان على وطنهم وهي غصة تثير لديهم بعفوية شديدة انفعالات ناقمة ومشروعة ضد الحكومات العربية التي احتشدت في حلف العدوان على سورية وساهمت في تدميرها وتخريبها وهم يطلقون بعض التعبيرات الناقمة على العروبة بنتيجة ذلك ولعل ما تبدى مؤخرا من تعبيرات على مواقع التواصل الاجتماعي حول معارك غزة جسد عمق الجرح الذي يعانيه السوريون بنتيجة تورط جناح من حركة حماس في العدوان على بلدهم ومشاركته في العديد من الأفعال المشينة والمذابح وعمليات القصف التي استهدفت مواطنين سوريين رغم ما بذلته وما تبذله سورية في سبيل التزامها بقضية فلطسين وتجسيدها للعروبة المقاتلة والمقاومة.
الموقف السوري الذي عبر عنه الرئيس الدكتور بشار الأسد في مواصلة تبني حركات المقاومة الفلسطينية ودعمها هو تجسيد تاريخي لموقع سورية ولدورها القيادي في الصراع ضد الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي دبر العدوان وجند وقاد جميع المتورطين للنيل من القلعة السورية المقاومة وسورية كانت محصنة خلال العقود الماضية في محيطها الحيوي بإرادة النضال ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وقد برهنت الحرب العدوانية الأخيرة ضد سورية ان إخراج القوة السورية من مساحة التأثير القومي والإقليمي يمهد لضربها من الداخل وهذا ما حصل بالفعل وبالتالي ثمة خياران في تصور دور سورية وموقعها فإما الاستسلام للحلف الاستعماري الصهيوني واللحاق بركب الأنظمة العميلة والتابعة الذي لايعني سوى الخراب والدمار في جميع المجالات وقد رفضه السوريون دائما وإما ثبات سورية في موقعها الاستقلالي التحرري المقاوم وإعادة بناء قوتها واسترجاع مجالها الحيوي على قواعد جديدة والخيار الثاني هو ما يناسب سورية وحجمها ودورها وتاريخها كمركز تحرر واستقلال عبر التاريخ.
العروبة هي حاجة سورية وطنية كما شرح الرئيس الأسد غير مرة فمن غير الرابطة العربية يتحول السوريون انفسهم أشتاتا متناحرة والعروبة هي حاجة سورية قومية وإقليمية فهي الثقافة الراعية لدور وموقع سوريين يناسبان القدرة والمكانة السورية في الصراع ضد الحلف الاستعماري الصهيوني وجميع أدواته وقد باتت سورية بعد صمودها العظيم قلعة تنهض ومركزا لتشكل المعادلات والتوازنات لأنها تمسكت بهذه الهوية في احلك الظروف وهي هوية كانت في عين الاستهداف بدليل ما عرض على الرئيس الأسد عشية الحرب الإجرامية وفي فصولها الأولى للمساومة على موقف سورية من العدو الصهيوني وقضية فلسطين ومن منظومة الهيمنة في المنطقة ولن نسترجع الوقائع المعروفة عن زيارة كولن باول لدمشق ولا عن عروض أردوغان وساركوزي والحمدين والمملكة السعودية والموفدين الكثر الذي تعاقبوا على زيارة قصر الشعب قبل وخلال الحرب.
لأن الكيان الصهيوني هو مركز منظومة الهيمنة ففلسطين هي القضية المركزية ولأن إرادة الإستقلال السورية التحررية تعني رفض الهيمنة فهي تعني ذلك الالتزام المبدئي الثابت بقضة فلسطين وبدعم المقاومة الفلسطينية كموقف يعبر عن استقلال سورية ومشروعها التحرري وعن عروبتها التي هي نطاق فعل ونفوذ يوفر لها دائرة حماية تعبر عن امنها القومي الاستراتيجي من خلال تأثيرها الفاعل في البلدان المحيطة.
ولما كانت سورية راهنا هي مركز انبثاق تكتل الشرق الكبير مع شريكتها إيران وحليفيها الاستراتيجيين روسيا والصين فذلك يجعل عروبتها مصدرا للقوة داخل هذا التكتل فجميع التحالفات توازنات ومن مصادر القوة السورية الممكنة داخل تكتل الشرق سيكون جذبها لأشقاء عرب آخرين إلى نسيج المصالح والحوافز التي يوفرها الانخراط في هذا التكتل والتخلص من نير الهيمنة الاستعمارية الصهيونية.
بالقليل من التبصر وبعد النظر يمكن فهم تعالي الرئيس الأسد على الجراح وتصميمه على تخطي الطعنات امام قضية فلسطين التي كانت وستبقى جنوب سورية وبصمة هويتها العروبية التقدمية والتحررية والدليل هو ما اعترف به العدو الصهيوني مذهولا عن كون سورية مصدر ستين بالمئة من صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة وكان ناطق عسكري صهيوني قد ذكر ذلك زاعما صدور تعليمات من دمشق لاختبار صاروخين اطلقا على مستعمرات غلاف غزة قبل المواجهة الأخيرة بحوالي الشهر وتحدثت تقارير عديدة في الإعلام العبري عن المصدر السوري لصواريخ الكورنيت التي ظهرت بأيدي المقاومين الفلسطينيين واحرقت عدة آليات صهيونية ودمرتها وهذا مصدر فخر واعتزاز بسورية المقاومة وبإرادتها الصلبة وقيادتها الشجاعة.
يجب ان نذكر الأشقاء السوريين بوجود فصائل فلسطينية مقاومة وقفت إلى جانب سورية في محنتها وقدمت الشهداء في قتالها إلى جانب الجيش العربي السوري في دمشق وفي حلب وغيرهما كما ينبغي الالتفات إلى ان النبل السوري في شراكة خيار المقاومة معروف منذ القدم من زمن الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي في لبنان والعراق والأردن وفلسطين وهو محفور في ذاكرة الشرفاء ومبعث اعتزازهم بالشقيقة الكبرى التي هي مركز هذا الشرق العربي ومصدر نسمات التحرر والعزة القومية ولذلك نقول إن سورية أكبر من ان تحشر في مقارنات مع سقط المتاع الأخواني الخليجي وعروبتها أشرف وأرقى من أن تلوث في هذا المنزلق.