حركة غولين موجودة في آسيا وناشطة تحت الرعاية الأميركية بقلم احمد حاج علي
موسكو / لم يكن فشل المحاولة الانقلابية في تركيا عام 2016 ضربة قاتلة لمشروع الداعية فتح غولين وما تزال فروع و أذرع الحركة الطورانية الكبرى منتشرة في فضاء جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، فتعاليم فتح الله غولين و مدرسته إنتشرت خلال العقود الثلاث الماضية في تلك المنطقة و حظيت بإهتمام شعبي واسع.
حافظت الولايات المتحدة على فتح الله غولين ووفرت الحماية لحركته ولمؤسساته المستمرة في نشاطها خارج تركيا وفي العالم و ما تزال ترفض تسليمه للعدالة التركية رغم فشل الانقلاب.
هذا الخطر المنتشر في جمهوريات آسيا الوسطى و الفضاء السوفياتي السابق إستدعى تحركاً روسياً تركياً مشتركاً كان مدار بحث خلال قمة بوتين أردوغان في أيلول سبتمبر الماضي و ما تزال القضية موضوع بحث في مجلس الأمن القومي الروسي وأثيرت خلال قمة بلدان منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي شارك فيها قادة بلدان المنظمة ووزراء الخارجية والدفاع والأمن. و شهدت بعض الجمهوريات حملات منظمة لتقويض نفوذ و وجود تلك الحركة، فأين يكمن الخطر؟
على مدى ثلاثة عقود أو أكثر تمكن فتح الله غولين من تدريب و تعليم تلامذة لمتابعة مسيرته في 140 دولة في العالم. وقد بلغ عدد المدارس و المعاهد التي أسسها 1400 أي ما يعادل 10 مؤسسات كمعدل وسطي في كل دولة.
يمكن القول أن برامج تشغيل هذه المراكز الدعوية شُغِلَت بإتقان و لا تحتاج إلى توظيف أموال كبيرة. فغولين لا ينفق عليها من أمواله الخاصة بل، هي ذاتية التمويل. الطلاب و أهاليهم يدفعون أقساطا مدرسية وجامعية إضافة لمساهمات المهتمين بإنتشارالدعوة و الطامحين لمستقبل مبني على تعاليم الفكر الغوليني.
من ميزات المدرسة الغولينية أنها تقوم بتعليم مناهجها باللغة الإنكليزية و تعتمد نظام التعليم الداخلي و ولا يهم اختبارمستوى معرفة اللغة عند قبول المنتسبين بل الأهم هو إيصال مفاهيم التعاليم الرامية بحسب ” الأب الروحي فتح الله غولن” إلى تحقيق مستقبل مشرق! و المقصرين في إستيعاب الدروس يمكنهم اللجوء لدروس خصوصية لقاء مبالغ مالية أما المتفوقون المتميزون فكان يتم إرسالهم إلى تركيا حيث المدرسة الأفضل بمفهوم الغولينية و كان ذلك يعتبر بمثابة المكافأة .
جرى التركيز على الأطفال بعمر 12 إلى 16 سنة و من المعروف أنه في هذا العمر يلتقط الطفل كل ما يتم تلقينه به على يد الكوادر الملتزمة بتعاليم المرجع والمعلم فتح الله غولين وتُستخدم قاعات الرياضة وصالات المسرح و قاعات السينما بمؤثراتها كوسائل تعبئة تربوية جماعية ليستمر تثبيت المفاهيم خلال المراحل الجامعية و الدراسات الأكاديمية.
سارت الأمور لفترة بشكل جميل لصالح الدعوة ضمن المخطط التركي الأميركي إلى أن بدأ غولين بالقيام بلعبة مزدوجة في مسار بناء “الطوران الكبير”، لكن على طريقته. يذهب بعض الخبراء للقول أن غولين كان يحلم ببناء خمس “طورانيات كبرى” دفعة واحدة. لكي يمر هذا المخطط كان لا بد من إحكام القبضة على تركيا الوطن الأمم لهذا الفكر الممنوع حالياً بحكم القانون. أما ” القائد” فتح الله غولن فأراد الإستحواذ على كل المجد الطوراني لنفسه دون مشاركة ” أخوان آخرين” من النخب السياسية ففشل دون مساعدتهم في تمرير المخطط الممتد من حدود الصين إلى الشرق الأوسط.
الطورانية تحت العباءة الأميركية
تلاقت المصالح الأميركية مع الغولينية و إستخباراتها التي عملت في التاريخ المعاصر على إنشاء هيكليات تحكم بالأنظمة و الدول و الشعوب ووجدت في الغولينية أرضاً خصبة لتنفيذ مخططاتها، في المقابل ما زال فتح الله غولين يتمتع بالحماية و الدعم و ما زالت الولايات المتحدة تحاول إنقاذ كوادره بعد فشل إنقلابه سواء كان انتشارهم في تركيا أو في دول أخرى.
بالرغم من أن رجب طيب أردوغان يحمل نفس حلم بناء ” الطوران الكبير” إلا أن قيادة الولايات المتحدة الأميركية قررت إستبداله بشخص أكثر تعاوناً و ولاءً و أقل طموحاً فأتت المساعدة الأمنية الروسية الإيرانية لتنقذه من الإنقلاب كون روسيا و إيران تدركان أن المخطط بدأ في تركيا و لن ينتهي عند حدود آسيا الوسطى. الولايات المتحدة قررت إستخدام إمكانيات فتح الله غولن الذي عمل خلال العقود الماضية على تحضير و بناء كوادر النخب الإقتصادية المالية الفكرية السياسية لبلده تركيا و للسيطرة على أنظمة دول أخرى و ذلك تحت أعين و برعاية أميركية.
شاءت الصُدف أن يُصبِح الداعية المنفي أكثر فائدة للولايات المتحدة من الرئيس التركي الحالي الحليف. و من الصعب فهم أسلوب و معايير قياس المصلحة الأميركية إلا أنها في كل الأحوال لم تكن لمصلحة رجب طيب أردوغان.
فشل إنقلاب صيف 2016 بالرغم من التحضير المحكم و فرَّ منظموه إلى الدول المجاورة، و بعضهم إستفاد من قواعد أميركية في تركيا كنقاط عبور لفرارهم من قبضة “السلطان الغاضب“.
تركيا عضو أساسي في الناتو، و تشتري السلاح المطلوب من واشنطن، و مستعدة ليس فقط لتهديد أعداء حلف شمال الأطلسي بل هي متأهبة لخوض الحروب لمصلحة الحلف، إلا أن نظرة أردوغان حول الملف الكردي و تماديه في توطيد الصداقة مع روسيا أو تجاوبه مع روسيا في تعزيز التعاون في أكثر من صعيد و مصلحته مع إيران كلها فيها دلالات على رغبة الرئيس التركي في تحصيل فوائد سياسية إقتصادية مستقلة، أو أنه إعتقد بسذاجة أن منافسه أو خصمه على كسب ود “الباب الأميركي العالي” فتح الله غولين لا يطمح لما هو أعظم من إستمرار مؤسساته التعليمية من مدارس و معاهد بالعمل؟
روسيا تحركت ضد خطر يهدد مجالها الحيوي
إستشعرت دول عديدة و منها روسيا و دول فضاء الإتحاد السوفياتي السابق الخطر، و أدى توتر الوضع بين مناصري فتح الله غولن و السلطات التركية دوراً كبيراً في دق ناقوس الخطر المتجاوز للفضاء التركي التقليدي. من ناحية أخرى ساهمت أقنية التواصل بين تركيا و تلك الدول بمساعدة روسية في إيضاح حقيقة من يقف خلف تلك المؤسسات التعليمية و سارعت دول آسيوية لإقفال مؤسسات غولين التربوية و أدركت أن تلك المعاهد في الظاهر تحمل العنوان التركي و فعلياً لا تمت بأي صلة لأنقرة او للسلطات التركية الرسمية، فضلاً عن إدراك دول اشتراكية سابقة أن تحضير كوادر النخب الخاصة بها من الأفضل أن تتم في مدارس و معاهد وطنية دون الإستعانة بتقنيات و خبرات تعليمية خارجية. فتلك الدول فضلت المحافظة على علاقاتها الجيدة مع أنقرة و تعزيز الصداقة مع تركيا و تجنب ما يعكر صفو تلك العلاقة لا سيما بسبب بعض المدارس و المعاهد التعليمية.
كما هو معهود في مثل تلك الأحداث ثارت حفيظة ناشطي حقوق الإنسان و الجمعيات الغير حكومية الدولية و على رأسهم الدول المنظرة لمعايير الديموقراطية، طبعاً بإيحاء من واشنطن الراعية للحركة الغولينية وخلال الأشهر القليلة الماضية كانت جمهورية تركمانستان مثالاً واضحاً على ردة الفعل و التدخل الأميركي و تغلغل الغولينية.
ظلت المؤسسات الغولينية تشعر لتاريخ قريب بحرية كاملة في ممارسة نشاطاتها في تركمانستان. وتمكنت تلك المؤسسات من زرع خريجيها (عملائها) في هيكلية السلطة و الدولة حيث تمكنوا من إرتقاء مراكز حساسة في الدولة بشكل سريع و بنوا و شاركوا في أعمال إقتصادية واسعة النطاق في هذا البلد وغيره منجمهوريات سوفياتية سابقة.
عملياً بدأت حملة إقفال تلك المؤسسات مع بداية العام 2016 و استمرت حتى اليوم و جرت عمليات إعتقال مشغليها و صدرت الأحكام القضائية بحقهم، وتراوحت الأحكام ما بين 15 و 25 سنة سجن. و كانت المحاكمات مغلقة بسبب الطابع الإجرامي للإتهامات و محاولات الإغتيال و الإنقلاب و الإستيلاء على السلطة و تهديد بنية الدولة و غيرها . بحسب المعطيات المتوفرة تم إعتقال عشرات الأشخاص المتورطين.
بسرعة فائقة عَمِلَ الغولينيون المحليون بشكل فاعل و تبادلوا المعلومات مع المؤسسات التعليمية ( مدارس، معاهد، و كليات) ممولة من صندوق غولين و من الجمعيات، التي أنشأها الخريجون في العديد من الدول من شمال أفغانستان حيث تواجدوا منذ بداية عام 2000 حتى الحدود الحيوية للاتحاد الروسي.
اليوم وبعد المطالبات الرسمية المتكررة من أنقرة تم إقفال كافة المؤسسسات الغولينية و القضاء عليها في تركمانستان، و بات أبرز كوادرها إما قابعين في السجون أو فارين ملاحقين. العديد منهم تمكنوا من السفر إلى تركيا لينتقلوا منها إلى شمال قبرص حيث تقطن جالية تركمانية كبيرة. هنا يكمن خطر على الإتحاد الروسي من المؤسسات التعبوية و مخيمات التدريب التي تستقطب العديد من تتار القرم، وحيث يجري تحضيرهم بالطبع ليس لتقديم إمتحانات اللغة الإنكليزية!
تسويات تحت الرعاية الأميركية
ظهرت بشكل فوري جهوزية الحركة الغولينية في المسارعة بتكليف محامين باشروا بالدفاع عن المعتقلين و عارضوا قرارات إقفال المؤسسات على مستوى دولي و تعاطفت معهم عدة منظمات تابعة للأمم المتحدة مجدداً بإيحاء من واشنطن بشكل ملفت في سرعة إصدارها مواقف تعتبر الإعتقالات و إقفال المؤسسات الغولينية تدابير غير قانونية، كما ظهرت تهديدات لمسؤولين حكوميين رفيعي المستوى و بوشرت قضايا ملاحقات مالية لحصص مسؤولين أو رجال أعمال محسوبين على الوسط الحكومي في إستثمارات خارجية.
خلال الأشهر القليلة الماضية بدأت السلطات التركمانية عملية تفاوضية بضغوطات من واشنطن و هي على وشك الإفراج عن قادة غولينيين كبار معتقلين يطالب الناشطون الحقوقيون بإطلاق سراحهم، أما الباقون فتنوي السلطات التركمانية الإبقاء عليهم كشواهد أمام الدبلوماسيين الغربيين على الحقائق و الوقائع و للإشارة إلى أن سجن “أوفادان- ديبيه” ليس مقفلاً أمام الرأي العام، و كافة الأقاويل حول أعمال التعذيب و الإعتقال السياسي غيرصحيحة.
في الوقت الراهن حصل المعتقلون الغولينيون على تسهيلات و تخفيف ظروف إعتقالهم وتم السماح لهم بزيارات مرتين شهرياً، هذا يندرج على أولائك المشمولين في طلبات المحامين العاملين ضمن آليات الأمم المتحدة وتم تخفيف ظروف السجن بحق الآخرين مع ترحيل عدد منهم من معتقلات سياسية إلى مخيمات ليتم تحضير العفو عن جزء منهم كما تفيد المعلومات أن حصص التموين و الغذاء تم تحسينها بشكل ملموس ضمن خطة تحسين أوضاع المعتقلين و إظهارهم بمظهر لائق مع العمل على تسجيل إعترافاتهم المتضمنة مطالبتاتهم بالعفو بعد إقرارهم بالذنب. من يرفض يُعَاد إلى السجن، ومنهم من لا يتعاون مع قرار العفو المشروط فيُشطَب من لوائح العفو و لوائح الحاصلين على إذن زيارة. إلا أنه من بين الحاصلين على التسهيلات لا يوجد سلفي أو وهابي، الذين لا يشملهم أي عفو.
كان الغموض و ما زال يُحيط بمنطقة وسط آسيا على مر التاريخ، وفَهمُ تلك المنطقة ليس بالأمر السهل والمتاح، لكن يرى المراقبون أن هناك نخبا آسيوية حاولت التذاكي و مشاركة الحركة الغولينية مجداً منشوداً إضافة لإرضاء الولايات المتحدة مع محاولة الإبقاء على علاقة جيدة مع تركيا و روسيا ضمن سيناريو مسرحية واحدة، إلا أنهم واجهوا نهاية عليهم إتخاذ خيار فيها، مراجعة الحسابات أو المزيد من التورط مع الحركة الغولينية و من يقف خلفها من وراء المحيطات.