بقلم غالب قنديل

غزة المقاومة وتوازن الردع

غالب قنديل

منذ انطلاق مسيرات العودة في قطاع غزة وحكومة نتنياهو توجه التهديدات للقطاع بعدوان عسكري كبير وقد جاءت العملية المخابراتية الفاشلة تعبيرا عن محاولة تسديد ضربة للمقاومة باستهداف قياداتها كما تقول التأويلات والتكهنات عن غاية القوة الخاصة التي تسللت إلى القطاع وكشفها المقاومون وطاردوها وقتلوا قائدها في اشتباك قدموا فيه شهداء بين صفوفهم احد القادة.

أثبت هذا الاختبار الأمني تطورا في قدرات المقاومة التي تصدت للقصف الصهيوني الكثيف الذي استهدف تغطية انسحاب الوحدة المتسللة التي خسرت قائدها عندما استطاعت المقاومة كشفها رغم انها استخدمت مركبات مدنية في التسلل ويقال إنها كانت مكلفة بمحاولة اختطاف احد كبار قادة القسام او بمحاولة استرجاع أسيرين صهيونيين لدى المقاومة.

التصعيد الصهيوني ضد القطاع يأتي في مناخ مسيرات العودة التي أثارت ذعرا صهيونيا مصرحا به وهو يقطع مسار العروض التي قدمت تحت عنوان التهدئة بواسطة كل من الدوحة وانقرة والقاهرة لضمان امن الكيان والتعهد بعدم شن أي عمليات ضد العدو الذي صرح قادته بالارتباك والخوف امام التقارير التي نشرت عن بلوغ العمليات المقاومة التي تم إحباطها في الضفة الغربية المحتلة ما يتخطى الأربعمئة عملية وهذا الإحباط هو من ثمار التعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية لكن المؤشر الأخطر هو في ظاهرة ازدياد هائل لأعداد الشباب الفلسطيني الساعين إلى امتلاك الأسلحة ومهاجمة مواقع العدو بين قراهم وبلداتهم واستهداف المستعمرات والدوريات والحواجز الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة رغم قيام مخابرات العدو وقواته بالعديد من عمليات اغتيال واعتقال ضد كوادر شابة بعضهم لاينتمي إلى فصائل معروفة خططوا لمهاجمة أهداف صهيونية ووشى بهم مخبرو السلطة الفلسطينية.

الغليان في غزة متواصل ضد الحصار الخانق والمسيرات السلمية تحت شعار العودة إلى فلسطين كشفت بكثافة التجاوب الشعبي واستمرار تقديم الشهداء والجرحى كل جمعة مستوى استعداد اهل القطاع للتضحية ورفضهم للصمت على استمرار الحصار الذي يفرضه العدو ويساهم فيه النظام المصري وتسعى الضغوط والوساطات القطرية والتركية لمقايضته جزئيا بصفقة تضمن المصالح الصهيونية وتحاصر فصائل المقاومة بضوابط وقيود مشددة ولا تنهي الحصار جذريا كما تقول بنود الاقتراحات المتداولة التي تتضمن مشاريع تطبيعية وشراكات تجارية ومالية مع العدو من نوافذ البحر والجو ومشاريع المنطقة الحرة المحكي عنها والعدو يراهن على الزمن إذا تحقق له ذلك لخلق شرائح ومصالح تتصل به مباشرة وتوفر مرتكز استتباع واختراق سياسي صهيوني في قلب القطاع.

ما يزال الواقع السياسي الفلسطيني منذ عقود يعيش ثنائية المساومة والمقاومة ودائما يسعى المساومون لاستغلال وجع الناس وآلامهم ليخترقوا الصمود الشعبي وليستغلوا الوجع في تعويم وصفاتهم الاستسلامية وترويج التنازلات على انها أفضل الممكن لكن في هذه الجولة عناصر قد تفتح كوة على أفق جديد للتطورات لو جرى تعزيزها وتحصينها سياسيا وميدانيا.

أولا مستوى الاستنفار الشعبي الذي اختبر في مسيرات العودة والاستعداد المتجدد للتضحية يعكس حالة من الوعي الجماهيري المقاوم الذي يسند إرادة القتال ضد عدو أشهر أسلحة القتل والإرهاب في وجه المسيرات السلمية الفلسطينية التي استمرت لأسابيع طويلة وقدم خلالها أبناء القطاع عشرات الشهداء وآلاف المصابين دون تردد.

ثانيا وحدة فصائل المقاومة التي تخوض المجابهة من خلال غرفة عمليات مركزية تقود معارك الدفاع وتستخدم الردع الصاروخي بخطة واحدة توزعت فيها الفصائل الأدوار ووحدت قدراتها بتناغم يثير الإعجاب والاحترام.

ثالثا بات القرار بيد المدافعين الذين وحدوا صفوفهم وهم يقررون للمفاوضين شروط الردع الجديدة التي ينبغي فرضها على العدو في التعامل مع الاتصالات والمحاولات التي ستنطلق عندما يصاب القادة الصهاينة باليأس من تكرار المحاولة.

رابعا أيا كانت خيارات العدو الصهيوني فهي المزيد من تجريب المجرب سواء بتوسيع نطاق القصف وارتكاب المجازرحيث سيلقى ردودا مؤلمة بتطور قدرات المدافعين عن القطاع وإمكاناتهم او محاولة التوغل من جديد حيث سيلقى صدا وردا مؤلما وسيظهر المقاومون ما بحوزتهم من مفاجآت جديدة كما في المعارك السابقة للحروب الصهيونية ضد قطاع غزة.

خامسا يسمح توازن القوى الحالي في المنطقة لمحور المقاومة بخلق مناخ شعبي متضامن مع غزة في عدد من الدول أقله في اليمن والعراق ولبنان وسورية رغم استمرار الجرح الذي فتحته حماس بطعنها لدمشق وهي لم تتخذ أي مبادرة جدية لختمه بصورة سليمة رغم الثبات السوري على الموقف القومي المبدئي المتضامن مع فلسطين وكل فصائل المقاومة ورغم تعالي القيادة السورية على ندوب الغدر العالقة آثارها في الذاكرة الشعبية القريبة وهذا يتطلب عملا منهجيا يجب ان يتولاه المحوربجميع اطرافه بدلا من تركه للزمن.

سادسا في المواجهة قبل الأخيرة في غزة قال العدو الصهيوني في تقارير رسمية إن ستين بالمئة من صواريخ المقاومة سورية الصنع وزعم أيضا ان دمشق هي من اوعز بإطلاقها على المستعمرات وهو ما يعني إشارة حاسمة إلى ان سورية التي ما تزال في طور استكمال معركتها المتواصلة ضد العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي تمثل بنهوضها كابوسا صهيونيا باستمرار احتضانها للمقاومين في فلسطين.

سابعا تعرف المقاومة اولوياتها التي ستحملها لمفاوضيها حين يستصرخ العدو وسطاءه المعتادين ونفترض أن تتركز على ثبيت معادلة الردع وكسر الحصار الصهيوني والمصري. وبكل أسف تستدعي المواجهة تحركا شعبيا وسياسيا في الضفة المحتلة يسقط كل أشكال التنسيق مع العدو ويرغم السلطة الفلسطينية على التراجع عن تدابيرها ضد شعبها الصامد في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى