نقاط على حروف العقدة الباقية
غالب قنديل
يشن فريق رئيس الحكومة المكلف حملة سياسية إعلامية لتبرير رفض تمثيل “النواب السنة المستقلين” او اللقاء النيابي التشاوري الذي شكلوه بعد الانتخابات في حكومة الوحدة الوطنية ومن الضروري بمكان جلاء بعض الأمور ومناقشة أهم الذرائع المتداولة لوضع السجال السياسي حول هذه المسألة في نصابه الواقعي.
اولا إن نواب اللقاء التشاوري كانوا مشاركين في الاستشارات التي أجراها الرئيس الحريري بعد تكليفه وهم شاركوا في تسميته لرئاسة الحكومة وهو لم يعرف حديثا بمطلب إشراكهم في الحكومة التي يفترض ان يؤلفها بل إن العديد من الوقائع تؤكد ان ذلك التمثيل بحث معه غير مرة كما انه لم يفاجأ لا هو ولا سواه بوجود نواب تكتلوا في اللقاء التشاوري يطالبون بالمشاركة في الحكومة.
لقد كان هؤلاء النواب المنتخبين شركاء في تكتل سياسي قبل الانتخابات تحت مسمى اللقاء الوطني الذي حقق حضورا مستمرا على امتداد السنوات الماضية وفي مفاصل عديدة وثبت تمايزه وافتراقه عن تيار المستقبل كما ساند بعض اركانه الحريري في محطات عديدة قبل الانتخابات وبعدها ولطالما كانت لقاءات بعض أركان اللقاء مع الرئيس الحريري بناء على طلبه ورغبته وبعض أركانه جاهروا بافتراقهم عن حزب الله في مواقف مفصلية كحرب السعودية في اليمن وتبنوا خطابا لا يختلف جوهريا عن المستقبل.
ثانيا نقطتا اللقاء المشتركتان بين حزب الله وحركة امل وسائر قوى الثامن من آذار مع هذا التكتل كانتا باستمرار حول العلاقة بسورية ومبدأ احتضان خيار المقاومة وحمايته وبالتالي إن محاولة القول إن هذا اللقاء النيابي مفتعل او مصطنع لا تسقطها فقط الحيثية الشعبية والسياسية لأعضائه من النواب المنتخبين وما حازوه كل في دائرته من أصوات تفضيلية تظهر وزنه التمثيلي الخاص بل إن هذا التجمع السياسي تمسك على الدوام بالجمع والمفرد بحق الاختلاف والتمايز وهو لم يظهر طوال سنوات بوصفه ملحقا سياسيا لأي جهة داخلية او خارجية بما فيها حزب الله والتاريخ السياسي لرموز التكتل يظهر حجما تمثيليا أثبت حضوره باستمرار في الانتخابات النيابية.
وهذا التكتل في الواقع لا يحتوي كامل تعبيرات التمايز عن المستقبل داخل الطائفة السنية مع عدم تسليمنا بمنطق الحسابات الطائفية فجميع نتائج الانتخابات السابقة اظهرت ان ما يزيد على ثلث الكتلة الناخبة في هذه الطائفة هو خارج جعبة المستقبل رغم كل ما لدى الحريرية من عناصر جذب وتأثير مادية ومعنوية وما حازته من دعم ومساندة إقليمية ودولية منذ الطائف.
ثالثا إن تقصي مسار تبلور هذا التكتل النيابي منذ سنوات يظهر اننا امام تيار سياسي موجود على الصعيد الشعبي وقد جرت محاولات متكررة من أقطابه للتجمع بمشاركة آخرين ولتظهير وزن سياسي وخيار يفترق عن تيار المستقبل ويتصدى لمنطقه السياسي ولمشروعه الاقتصادي الإعماري منذ قيام سوليدير ولم تكن أي من المحاولات افتعالا تدبره قيادة حزب الله بل على العكس غالبا ما نظر أركان هذا التيار السياسي الوطني والعروبي بعين ناقدة إلى تسليم حزب الله وحركة امل وسائر الحلفاء باحتكار تيار المستقبل لتمثيل الطائفة.
وقد شكا هذا التيار السياسي في منتديات عديدة من أخطاء وعيوب الإدارة السورية للتوازن اللبناني بعد الطائف وطالبوا في دمشق من موقع الحليف والشريك بوقف الانحياز السوري الطاغي للحريرية على حساب باقي الحلفاء والكف عن فرض وتكريس احادية التمثيل كامتياز لتيار المستقبل عبر التدخلات السياسية والأمنية التي قيضت له ذلك ولدى كل من هؤلاء وسواهم من التيار الوطني العروبي في الطائفة السنية لوائح حافلة بالوقائع والشكاوى والمظالم التي تتعلق بمواقف وتدخلات لصالح المستقبل وهذا بالذات ما تشهد به تجارب ومعارك خاضها اركان ورموز من هذا الطيف السياسي الوطني كالرئيس سليم الحص والرئيس الراحل عمر كرامي ونجله فيصل والنائب السابق زاهر الخطيب وكل من النواب عبد الرحيم مراد وأسامة سعد وعدنان طرابلسي وجهاد الصمد وسواهم ممن واجهوا تشددا وعسفا في ضغوط عبد الحليم خدام وغازي كنعان لإلحاقهم بالحريرية وانصياعهم لها.
رابعا المعادلة التي جرى تبنيها في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تقضي بتمثيل جميع الكتل وسائر التيارات السياسية الرئيسية في البلاد بعد الانتخابات ومن الواضح اننا امام تيار سياسي حقيقي موجود وله ممثلوه في البرلمان ولسنا امام تجميع عشوائي لأسماء وأصوات كما يقول الرئيس سعد الحريري.
يمثل تضامن حركة امل وحزب الله وسائر قوى الثامن آذار مع هذا التكتل الحليف تجسيدا لمبدأ عدالة التمثيل في حكومة الوحدة وهو تصحيح لخلل تاريخي في الساحة السياسية الوطنية ورفض لمنطق العزل السياسي الذي يحاول الرئيس الحريري ترجيح كفته لتثبيت احتكار التمثيل بيده بعيدا عن نتائج الانتخابات التي اظهرت احجاما تمثيلية لجميع الجهات وداخل سائر الطوائف ولاشك ان المنطق الاحتكاري يعاكس واقع التنوع السياسي والتعددية التي نتجت عن قانون الانتخاب النسبي رغم علاته وعيوبه الكثيرة.
تكيفت معظم القوى السياسية الرئيسية مع حقيقة التعدد التمثيلي التي فرضتها الانتخابات ونتائجها وهذا ما فعله السيد وليد جنبلاط بعد طول اعتراض ورفض كما ارتضاه التيار الوطني الحر الذي لم يجادل في مبدأ تمثيل القوات وتكتلها النيابي بينما رئيس الحكومة يريد فرض ميزة احتكارية لتياره السياسي في طائفة متعددة من حيث تعبيراتها السياسية منذ عقود وقبل الحريرية وبعدها.