مقالات مختارة

التيار الوطني والحكومة: الحريري في كفّة وحزب الله في كفّة: هيام القصيفي

 

في محاذاة تشكيل الحكومة، تظهر عقد وتختفي اخرى. مع عقدة التمثيل السني، وموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منها، تطرح اسئلة حول العلاقة بين العهد والتيار الوطني الحر مع كل من الرئيس المكلف، وحزب الله المدافع عن توزير سنة 8 آذار

هل يحتمل رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توزير ما بات يعرف بسنة 8 آذار التأويلات التي اعطيت حول خلاف بينه وبين حزب الله، بسبب حصة رئيس الجمهورية ورفض الحزب إعطاءه الثلث المعطل؟ كل أجواء التيار المعنية لا يعنيها هذا الكلام، ولا تضعه في هذه الخانة، حتى إنها ترفض الحديث عمّا رست عليه أخيراً حصص رئيس الجمهورية أو التيار. ولا تقبل مجرّد الحديث عن استهداف الحزب لعون، لا من قريب أو بعيد، لأن هذا الكلام «في غير محله».

اما كيف يزن التيار، في مرحلة تشكيل الحكومة، علاقته بالرئيس المكلف سعد الحريري وبحزب الله، فسؤال يحتاج الى تبسيط في الشرح للموجبات التي يريد العهد والتيار أن يضعاها لتوازن دقيق في التعامل مع الطرفين بغية تأليف الحكومة.

اولاً، لم يكن التيار في وارد وضع سقوف زمنية للتأليف، ولم يعنه تاريخ 31 تشرين الاول كموعد يفترض معه حرق المراحل واستعجال التأليف كيفما اتفق. البعض تعامل مع ذكرى انتخاب رئيس الجمهورية بما يشبه الابتزاز المعنوي، الامر الذي أصرّ التيار على عدم الخضوع له، إذ إن الالتزام به يعني تسليما بالشروط غير المحقة التي يضعها مختلف الافرقاء لتشكيل الحكومة تحت سقف الموعد السنوي. في حين ان حكومة تصريف الاعمال تبقى افضل من حكومة لا تحترم المعايير الواجب اعتمادها، وتعطي لغير المستحقين أدواراً ومواقع لا تتناسب مع تمثيلهم. هذا الاداء المتمهل اعطى مفاعيله، فقد سلّم كل الافرقاء تباعاً بالحصص التي يحق لهم بها، وبات لكل منهم موقعه المحدد. والاهم ان التيار تمكن، بفعل ادائه، من فكفكة التحالفات السياسية التي كانت قائمة في وجه العهد، بدليل ان الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية لم يعودا في خندق واحد، وان الرئيس المكلف لم يعد في موقع التحالف غير المشروط معهما، ولم يبتعد عن العهد. وهذا مكسب ليس بسيطا ويعتدّ به، وهو واقعي بحسب ما اسفرت عنه مشاورات التأليف اخيراً.

ثانياً، لا شك في ان كلام عون حول حصة سنة 8 آذار أحدث مفاجأة لدى الرأي العام، لأنه موقف واضح وعلني ولا لبس فيه. لكن في الدوائر القريبة منه، كان هذا الموقف منتظراً ومتوقعاً، إذ كان عون يعد لهذا الموقف، أو بالاحرى لـ«النصيحة» التي كان يريد إعطاءها لحزب الله، منذ ايام، ويتشاور مع الحلقة الضيقة منه والمكلفة بمتابعة المشاورات الحكومية، في كيفية اخراج الموقف من توزير هذا الفريق. ولم يكن ممكناً الا اعتماد طريقة رئيس الجمهورية المعتادة في إظهار هذه النصيحة لحلفائه، بالطريقة التي جرت فيها، لان رئيس الجمهورية حريص على علاقته مع كل القوى، ويوجه نصيحته حرصاً عليها. لكن من المستبعد كثيراً الا يكون المعنيون، وأولهم حزب الله، غير مطلعين عبر القنوات المعتمدة على هذا الموقف، لأن المشاورات الحكومية واضحة منذ اللحظة الاولى. وهذا الموقف كان يعرفه كل من تعاطى في ملف تشكيل الحكومة، ومنهم الرئيس المكلف، حتى قبل اجراء الانتخابات النيابية. فمن يربح ككتلة ويتمتع بتمثيل حقيقي، يحق له التمثل بوزير. وهذا كلام تبلغه الحريري بضرورة توزير من يصل بالنسبية بكتلة نيابية لها وزنها النيابي. اما الآخرون، ولو حصلوا على تمثيل شعبي فرادى، فلا يحق لهم بالتمثيل. وهذا ما يحصل اليوم. فما جرى اخيراً من حيثيات حول «تجميع» شخصيات سنية متفرقة، تارة في هذا التكتل وتارة في تكتل آخر، وتغييب آخرين مثل النائب أسامة سعد، كان الى حد ما مفتعلاً، ولم يقنع لا رئيس الجمهورية ولا التيار الوطني، وحكماً الرئيس المكلف. هذا لا يعني ان حزب الله لم يبلغ سابقاً انه مع توزير هذا الفريق. لكن المعلومات تقول انه كان يبلغ حرصه على تمثيلهم، مع تأكيد متكرر على حرصه على عدم عرقلة تشكيل الحكومة. وهناك فرق بين الامرين، وبين ان تتحول ضرورة تمثيلهم عقبة او عناداً لا يخدم احداً من الحريصين على التأليف، وحزب الله احد هؤلاء، وقد عبّر عن ذلك مراراً.

ثالثاً، إذا كان التيار تخطّى يوم 31 تشرين الاول، كحدث له صلة مباشرة بتأليف الحكومة، الا ان الذكرى تحولت بفعل مواقف عون والحريري المتبادلة مناسبة كي يعيد الطرفان تأكيد تفاهمهما السياسي. هذا التفاهم يتعزز بنظرة التيار الى موقف الحريري الحالي من التشكيل. فالرجل لم يفرض شروطاً تعجيزية، ولم يرفض تلبية مطالب الافرقاء الآخرين إذا توافرت فيها الظروف المنطقية. وبغض النظر عن اي تطورات اقليمية او ضغوط خارجية، لبّى الحريري كل شروط حزب الله والثنائي الشيعي: وافق على وزارة الصحة، رغم ان الاميركيين ابلغوا بحدة واضحة تحذيرات من مغبة حصول الحزب عليها واستعدادهم لتصعيد التضييق في شأنها. وافق على مطالبتهم بوزارتي الشباب والرياضة والزراعة، فضلاً عن وزارة المال والأشغال لتيار المردة. لكن ان تتطور الشروط نحو تمثيل شخصيات متفرقة، فهذا لا يدخل ضمن المسار المنطقي الذي يفترض من الجميع ازالة العقبات، لتأليف حكومة وطنية، ولا سيما عدم اثارة اي توتر سني ــــ شيعي، من المؤكد ان لبنان والحزب في غنى عنه في هذه المرحلة. وقد يكون ذلك مغزى نصيحة رئيس الجمهورية، لان الكلام عن مشكلة سنية ــــ سنية ليس دقيقاً، طالما ان حزب الله هو الذي يؤيد مطالب هذا الفريق.

   مصادر التيار: الحديث عن استهداف الحزب لعون كلام «في غير محله»

واستطراداً، ثمة ما هو غير واضح في التضييق على الحريري، في وقت قدم الاخير كل الاستعداد للتعاون ولم يخلّ بأي من الالتزامات، ولا موجب للافتراض مسبقاً والحكم على نيات قد تكون غير موجودة او عن اعتبارات خارجية، لم يظهر ان الرئيس المكلف يأخذ بها. وهنا الخشية من ان تذهب الامور ابعد من مجرد شروط وشروط مضادة، وهذا لا يصب في مصلحة اي من الاطراف الاساسيين، لا سيما ان التيار والعهد، بطبيعة الحال، خارج اطار السؤال لتقييم علاقتهما مع حزب الله، وهذا الامر لا يحتمل شروحات او تبريرات، او اي محاولة سياسية للغمز من قناة تفاهمهما السياسي وحوارهما الدائم، ولعل زيارة الديبلوماسيين الى منطقة الضاحية الجنوبية، مثال على ذلك. ويرفض التيار من خلال توازنات أثبتت نجاحها اي تعرض للعلاقة القديمة والمزمنة مع الحزب، او استعادة الشواهد بينهما وهي كثيرة، كما يحرص على علاقته مع الحريري، كرئيس مكلف للحكومة، في تسوية رئاسية أثبتت خلال الازمات انها صامدة. لكن تأليف الحكومة يفترض قراءة منطقية وواقعية لما يقبل عليه لبنان من تحديات تفترض ان يكون محصنا بحكومة وطنية جامعة. وهي لا تتحقق اذا توالت العقبات، واختلّ التوازن.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى