حرب اليمن اميركية صهيونية
غالب قنديل
من الأخطاء السياسية الشائعة صورة أحادية البعد تقدم حرب اليمن على انها تجسيد لخطة هيمنة سعودية على دولة مجاورة تمتلك مقدرات هائلة وحجما سكانيا واتساعا جغرافيا ينذر بتحولها إلى دولة قوية في الخليج تنافس المملكة على دورها ونفوذها إذا ما حظيت باستقلالها الوطني واستجمعت إمكاناتها وقدراتها وثرواتها وطاقة شعبها في عملية تنمية وطنية مستقلة.
ولعل السردية الأكثر سطحية وسذاجة ربط هذه الجريمة الكارثية احاديا بنزوع مغامر يسم نهج وسلوك ولي العهد السعودي الذي تنسب إليه قيادة فصول الحرب المتلاحقة لكن التدقيق في الخلفيات الاستراتيجية والاقتصادية للعدوان على اليمن يكشف لنا عمقا ثلاثي الأبعاد لتلك العمليات المدبرة التي تشمل تنظيم الإبادة الجماعية والتدمير الوحشي الشامل لجميع وجوه الحياة في اليمن فالحرب بأهدافها وخططها وعملياتها هي حرب أميركية صهيونية سعودية.
هذه الحرب البشعة تجسد أيما تجسيد المشيئة الأميركية المتجددة في نهب الثروات والسيطرة على الأسواق في جميع البلاد العربية ويضاعف حوافزها ان لليمن موقعا استراتيجيا حاسما وساحلا يمتد لأكثر من خمسمئة كيلومتر على مفترق الممرات البحرية للتجارة العالمية ولطرق النفط والأساطيل الحربية وهو موقع يتيح التحكم بالبحر الأحمر وصولا إلى سواحل فلسطين المحتلة كما يطل على عقدة طرق النقل والصيد والتهريب إلى الساحل الأفريقي كما إلى الشرق العربي ومصر والسودان.
عينت الولايات المتحدة ساحل اليمن هدفا لنشر وحدات المارينز من عشرات السنين وتوسلت أدوات شتى منها ذريعة اوكار القاعدة في أواخر القرن العشرين وقد أرخ العديد من الكتاب الأجانب للاهتمام الأميركي باليمن منذ منتصف القرن الماضي مع إدارة الرئيس هاري ترومان بالتزامن مع تثبيت الهيمنة الأميركية في المملكة السعودية وتأسيس الكيان الصهيوني بعد اغتصاب فلسطين.
اليوم يتضاعف الاهتمام الأميركي بساحل اليمن ويزداد التطلع لاحتلاله مع السباق البحري الصيني الأميركي إلى أفريقيا ورغم التقية الصينية المفرطة لكن منافسة ضارية تجري بين بكين وواشنطن على النفوذ في القارة الأفريقية وهي تشمل الأسواق والموارد وموقع اليمن البري والبحري يعطي هذا البلد صفة مفتاحية ترتبط بمستقبل أفريقيا الاستراتيجي وليس من الفراغ ان اهم القواعد الأميركية على الساحل الأفريقي في جيبوتي هي مقابل الشواطئ اليمنية كما ليس من المصادفات اهتمام الصين الصامت بسواحل اليمن.
اما بالنسبة للكيان الصهيوني فقد ظهرت دراسات وتقارير عديدة منذ انطلاق العدوان على اليمن تؤكد الأهمية الاستراتيجية للمعارك الدائرة بين حلف العدوان الأميركي السعودي والقوى الشعبية اليمنية المقاتلة في سبيل الاستقلال والتحرر وتفضل الدعاية الأميركية السعودية استعمال الفزاعة الإيرانية في وصف الأحداث رغم المعرفة الكافية بأن ما يتلقاه اليمنيون من مساندة سياسية او عملية مفترضة من إيران لايعتد به في تفسير صمودهم وفاعليتهم وابتكاراتهم وقدرتهم على الصمود التي يشهد لها وهي امتداد لسيرة تاريخية من التمرس بالحروب والتحصن التاريخي في جبالهم وجرودهم وسواحلهم في وجه الغزوات على مر العصور.
التركيز الصهيوني الفعلي على إيران في تناول الحرب اليمنية يعكس خشية قاتلة من خطر اعتماد إيران للطرق اليمنية في إيصال الدعم العسكري والمالي والمعونات الاقتصادية إلى قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية المحتلة وهي خشية في محلها في ضوء تجارب سابقة من عمليات الإمداد الإيرانية للمقاومة الفلسطينية يجتر الكتاب الصهاينة رواياتهم عنها.
زادت المخاوف الصهيونية بعدما ساهم الحصار البحري والبري المحكم لليمن في تظهير وإبراز براعة هذا الشعب العريق في التمرد وابتداع طرق التواصل الاقتصادي مع الخارج بقوارب الصيد وبقوافل برية بفعل المساحات الشاسعة والطرق المتعرجة ورغم التقنيات العالية لرادارات الأساطيل وللأقمار الصناعية التي تساهم في مراقبة السواحل والممرات البرية الوعرة والطرق البحرية التي تصل جميعها إلى سواحل فلسطين المحتلة وفق الفوبيا الصهيونية.
يمثل اليمن اليوم جبهة الجنوب مع محور المقاومة في الحسابات العسكرية الصهيونية وهكذا يدعوه خبراؤهم وجنرالاتهم وهذا بالذات ما يدفع إلى قبول جميع الفرضيات والروايات المتداولة عن مشاركة صهيونية مباشرة في العدوان على اليمن فهو فعليا عمل استباقي ضد فيلق من المقاومة سيكون مستعدا للعبور إلى جبهات القتال بجميع الوسائل الممكنة في أي حرب قادمة.
المملكة السعودية تخشى نهوض اليمن وتحرره من وصايتها وهي تمتلك ما يكفي من الأطماع والرغبات والمخاوف التي تحفز سعيها لتركيع اليمن وهي أصلا لم تكف عن محاولات إخضاع اليمنيين على امتداد العقود الماضية وقد كان الجنوب الاشتراكي كما الشمال الجمهوري عنصري قلق امني وسياسي متجدد في الرياض وأصم القادة السعوديون أسماعهم عن جميع مناشدات الجوار والشراكة مع اليمن لصالح فكرة الهيمنة والخوف المتجدد من نشوء قوة إقليمية صاعدة قادرة ومهيأة لتكون قيادة إقليمية منافسة في الخليج لكن حرب اليمن هي حرب اميركية صهيونية في جذورها وقد أسندت بعض فصولها للمملكة السعودية في إطار توزيع المهام الوظيفي داخل منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية.