محور المقاومة والمعركة المستمرة
غالب قنديل
تستحق تجربة السنوات الماضية التي خاضها محور المقاومة في المنطقة في الدفاع عن بلدان الشرق ضد الغزوة الاستعمارية الصهيونية التي تجلت بحروب متعددة مباشرة وبالوكالة وكان فيها الجناح الإعلامي والسياسي لحركة قوى العدوان رأس حربة مسموم أثار في البداية ارتباكا كبيرا إلى ان نهضت في مجابهته مبادرات متعددة واحيانا مرتجلة وسجل فيها اطراف المحور نجاحات وإخفاقات متفرقة في جولات عديدة.
يعتقد البعض اليوم ان المعركة توشك على نهايتها في حصيلة اندحار عصابات داعش والقاعدة في الميدان السوري والعراقي واللبناني او بنتيجة الصمود الأسطوري لشعبي اليمن وفلسطين والحقيقة هي على النقيض تماما على الصعيدين السياسي والإعلامي وكذلك ميدانيا فالعدو الاستعماري لن ينكفيء من تلقاء ذاته بمجرد ثبات المقاومين في الدفاع بل ينبغي ان يصل المخططون الاستعماريون إلى مازق العجز عن إيجاد بدائل اخرى غير التراجع والانكفاء وهذا درس تاريخي ثمين دفعت ثمنه شعوب الشرق من دمائها خلال القرنين الماضيين.
المعركة مستمرة ولم تنته بل هي تتخذ أشكالا وتعبيرات متحولة وجديدة احيانا لأن منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية تعمل بلا كلل على إعادة تقويم تجاربها وخبراتها ولأنها تتبنى مخططا للسيطرة على الموارد والأسواق وطرق النقل البرية والبحرية المنطقة وهي تعمل على تثبيت مركزية الهيمنة الإقليمية الصهيونية وتسديد الضربات لمواقع المقاومة والاستقلال.
تستنفر الولايات المتحدة من موقعها القائد للمعسكر الاستعماري كل ما لديها من وسائل وأدوات تتيحها الهيمنة الإمبريالية العالمية ماليا واقتصاديا وسياسيا ومخابراتيا وعسكريا وهي تتحرك احيانا بواسطة الكيان الصهيوني او بأدوات محلية جندها الحلف الاستعماري واحيانا اخرى بالتدخلات العسكرية المباشرة كما يحدث في استمرار الاحتلال الأميركي في العراق او في وجود هذا الاحتلال على الأرض السورية ويجمع الحلف المعادي بين الأدوات القتالية الخشنة وكل ما يعرف بادوات الحرب الناعمة لاختراق المجتمعات وضرب المناعات وتجنيد العملاء وإدارة التوازنات.
إن تقهقر داعش والقاعدة وهزائم تنظيم الأخوان المسلمين او المأزق السعودي في حرب اليمن او في نزاعات العائلة الحاكمة والانقسام السعودي القطري او التكيف التركي مع الدورين الروسي والإيراني في المنطقة من النافذة السورية او الرضوخ الأميركي السعودي للتوازنات الجديدة في قلب المساكنة بين المحورين داخل الحكومتين المقبلتين في بغداد وبيروت والصمود اليمني والفلسطيني.
كل ذلك هو في الحصيلة من مؤشرات التحول في ميزان القوى بفعل صمود محور المقاومة وإنجازاته الميدانية والسياسية في الدفاع الاستراتيجي ولكنها ليست كافية للإيذان بانتهاء المواجهة بنتيجة حاسمة لصالح محور المقاومة فالصراع بين المحورين مستمر ومتواصل والولايات المتحدة تعول كثيرا مؤخرا على مطاردة إيران وحزب الله وسورية بالعقوبات المالية والاقتصادية في وقت لا تزال المبادرات الروسية الصينية الإيرانية لإحتواء اوروبا في وضعية اختبارية اولية لا يمكن الوثوق بنتائجها كما لا تزال المبادرات المصرفية الروسية بالشراكة مع دول البريكس لاستبدال نظام السويفت الأميركي بنظام مواز ومحاولة تعطيل فاعلية العقوبات الأميركية في البدايات الجنينية.
لأننا في هذه الوضعية ومع تراجع التهديدات العسكرية والأمنية بفضل الملاحم التي خاضها أبطال المحور المدافعون عن الشرق بجميع بلدانه المهددة يقتضي الأمر استمرار العمل والمثابرة لتطوير مبادرات فكرية وسياسية وإعلامية ونضالية ضد منظومة الهيمنة وابتكار انماط جديدة وادوات جديدة في خوض الصراع وعدم الاستكانة او الركون البليد لقوة العادة وأن نأنس فحسب لما تحقق من نتائج حتى الآن او الوقوع في وهم يعممه البعض عن اقتراب تسويات يمكن الاحتفال بها تحت عنوان النصر بينما ليس في الفضاء الكوني سوى روائح المواجهات الضارية.
إن مركزية الشرق في الصراع العالمي المحتدم تجعل منه ساحة اشتباك مستمر سواء في الحروب الباردة ام الساخنة والصراع يدور هنا في شرقنا العربي على مستقبل العالم بين محور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ومحور الاستقلال والتحرر المنادي بالتعددية القطبية كقاعدة لإعادة تنظيم العلاقات الدولية بعد الخراب الذي خلفته الهيمنة الأميركية الأحادية بغزواتها وحروبها وبطشها بملايين البشر منذ غزو العراق وأفغانستان والحرب على سورية.
يجب الاعتزاز بالقدرات الهائلة التي اظهرها محور المقاومة في التصدي للغزوة التي تعرضت لها بلدان الشرق ولا تزال لكن ربما لن تقل المواجهة في الفصول القادمة صعوبة عما سبق وهي تستدعي مزيدا من توحيد الجهود والطاقات المتاحة ومزيدا من التأني والدقة في رسم الاولويات وتوظيف الموارد المتراجعة التي جرى تبديدها احيانا بسبب الانفلاش الأفقي خارج منظومة اولويات منهجية وهذا ما ينطبق بالذات على المستوى الإعلامي والفكري من نشاط المحور رغم وجود نجاحات لا يمكن إنكارها تستدعي تعزيزا للمواقع وللإرادات التي حققتها مع الاستعداد لملاقاة التحديات نحتاج فعلا قبل ذلك كله ووصولا إليه إلى قراءة نقدية للتجربة واستخلاص الدروس قبل استنباط المهام والتحديات الجديدة.