من الصحف الاميركية
تحدثت الصحف الاميركية الصادرة اليوم عن الرواية السعودية بعد اعتراف المملكة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فقالت انها مجرد أكذوبة مختلقة من نسج الخيال، وهاجمت الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصديقه هذه الرواية .
وقالت إن التفسير السعودي لمقتل خاشقجي “حكاية من نسج الخيال يصر الرئيس ترامب على مجاراتها“، وأشارت إلى أن قول الرئيس ترامب إنه مقتنع بالرواية السعودية وإنه يصدقها أمرٌ يؤكد عزمه وبكل وقاحة على مساعدة النظام السعودي وولي العهد محمد بن سلمان بشكل خاص على تفادي أي مساءلة ومحاسبة بشأن ما حدث، واضافت الصحيفة أن السعودية أقرت بكذبها على العالم طوال 17 يوما بشأن حقيقة ما حدث لخاشقجي بعد دخوله قنصليتها في إسطنبول، لكن التفسير الذي قدمه نظام الملك سلمان وولي عهده يفتقر للمصداقية.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن السؤال المهم حاليا ليس إن كانت رواية السعودية بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي ذات مصداقية أم لا، بل ما هي الجهة التي يحاولون استغفالها؟ ووصفت هذه الرواية بالمحاولة المريضة.
ففي عالم محمد بن سلمان الاستبدادي -تقول الصحيفة- لا يهم ما يفكر فيه الناس العاديون، بل ما يرضي ترامب الذي يريد حبلا يتعلق به للحفاظ على علاقته بالسعودية وولي عهدها وصفقات الأسلحة التي يسيل لها اللعاب.
وقالت نيويورك تايمز أيضا إن الرواية السعودية ووجهت بالرفض على نطاق واسع، ووُصفت بأنها محاولة مريضة للإقرار بما أصبح غير قابل للنفي والإنكار، ولخصت ما فعلته المملكة حتى الآن بما يلي: الإقرار بالخطأ، معاقبة مرتكبي الخطأ، تبرئة ولي العهد، إرضاء ترامب.
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية مقالا تحليليا للكاتب آدم تايلور بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي طرح فيه عددا من الأسئلة الرئيسية التي قال إنه يجب على السعودية الإجابة عنها.
ويشير الكاتب إلى أن السعودية عرضت تفسيرا بشأن ما حدث للخاشقجي، وذلك بعد 17 يوما من اختفائه في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ويقول إنه على الرغم من أن السعودية أكدت في النهاية على أن خاشقجي قد توفي داخل القنصلية فإن الرواية السعودية تتعارض مع المعلومات الواردة من مصادر أخرى، مضيفا أنه يبدو أن التفاصيل الأساسية مفقودة.
ويطرح الكاتب تسعة أسئلة، ويقول إن السعودية لا تزال بحاجة إلى الإجابة عنها، وهي:
أولا: هل كان خاشقجي يفكر حقا في العودة إلى السعودية؟
يشير الكاتب إلى أن البيان السعودي يقول إن “المشتبه بهم” في مقتل خاشقجي قد سافروا إلى تركيا للقاء الصحفي، حيث سبق أن أشار إلى أنه مهتم بالعودة إلى بلاده.
لكن خاشقجي ذهب إلى القنصلية السعودية مع خطيبته التركية خديجة جنكيز التي قالت إن خطيبها كان يبحث عن وثيقة من الحكومة السعودية تسمح لهما بالزواج.
ويضيف الكاتب أن خاشقجي كان قد أخبر أصدقاءه أنه يشك في محاولات كانت تجري لإغرائه للعودة إلى السعودية، وأن الناشط الأميركي من أصول عربية خالد صفوري أخبر الصحيفة أن خاشقجي سبق أن أخبره أنه لا يثق بتلك الإغراءات قيد أنملة.
ثانيا: إذا كان هذا الأمر مجرد مناقشة فلماذا سافر 15 رجلا على الأقل إلى إسطنبول لحضور الاجتماع؟
يقول الكاتب إن الرواية السعودية تشير إلى أن اللقاء مع خاشقجي بدأ كمناقشة سرعان ما تحولت إلى “قتال ومشاجرة بين بعض “المشتبه بهم” وخاشقجي.
ويشير تايلور إلى أن السعودية تقول إنها احتجزت ما مجموعه 18 شخصا لتورطهم في مقتل خاشقجي، وأن الحكومة التركية ربطت الحادثة بـ15 شخصا سعوديا وصلوا إلى القنصلية قبل فترة وجيزة من اختفاء الصحفي، وغادروا بعد ساعات.
ويقول الكاتب إنه ليس من الواضح لماذا كانت هناك حاجة لمثل هذه المجموعة الكبيرة من الناس لمناقشة الخاشقجي بشأن رغبته في العودة إلى السعودية.
ثالثا: لماذا تضمنت هذه المجموعة السعودية خبيرا في الطب الشرعي وأعضاء في قوات الأمن؟
يقول الكاتب إنه إذا كانت هذه مناقشة بسيطة فإنه يبدو أنه يعتبر من غير الضروري إرسال أعضاء من الأجهزة الأمنية السعودية.
ويضيف أن واشنطن بوست قد كشفت عن أن ما لا يقل عن 12 عضوا من “الفرقة الضاربة” المزعومة التي حددتها السلطات التركية لديهم شكلا من أشكال الارتباط بأجهزة الأمن في السعودية.
ويشير إلى أن أحد المشتبه بهم -وهو صلاح محمد الطبيقي- خبير في الطب الشرعي، ومعروف عنه خبرته في إجراء عمليات تشريح رائدة سريعة ومتنقلة.
وينسب الكاتب إلى الباحث لدى معهد “بروكينغز” بروس ريدل –وهو المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) ومؤلف كتاب عن العلاقات السعودية الأميركية- تصريحه أن هذه الرواية لا يمكن بلعها.
ويقول ريدل للصحيفة “لا أستطيع التفكير في بديل عن سبب احتياجك لخبير في الطب الشرعي ما لم تكن تريد أن تغطي على أدلة جريمة“.
ويضيف الكاتب أن البيان السعودي لم يشرح سبب إحضار المشتبه بهم منشار عظام معهم إلى تركيا.
رابعا: ما الذي حدث بالفعل داخل القنصلية؟
يقول الكاتب إن الرواية السعودية تصف ما جرى بأنه “عراك أو مشاجرة” في القنصلية، وهي صيغة تنطوي على نزاع مادي بين جانبين.
غير أن خاشقجي كان قد دخل القنصلية من تلقاء نفسه، والتقى فريقا مكونا من 15 رجلا، مما يعني أن طرفي الشجار لم يكونا متعادلين.
ويشير الكاتب إلى أنه يُعتقد أن مسؤولين أتراكا أسمعوا نظرائهم في وكالة المخابرات المركزية الأميركية تسجيلا صوتيا لما جرى داخل القنصلية من شأنه إلقاء الضوء على ما حدث.
ويضيف أن هذا التسجيل يمكنه تقديم أدلة رئيسية لما حدث للخاشقجي، بما في ذلك إذا ما كان موته متعمدا أو أنه تعرض للتعذيب.
خامسا: ماذا حدث لجثة خاشقجي؟
يقول الكاتب إنه على الرغم من أن السعودية تعترف الآن بأن الصحفي توفي داخل القنصلية فإن بيانها السبت لم يكشف عما حدث للجثة.
وأضاف أن تكهنات مبكرة أشارت إلى أن أجزاء جثة خاشقجي قد تم إخراجها من تركيا على الرغم من أن السلطات التركية فتشت مؤخرا المناطق الريفية بالقرب من إسطنبول.
وأشار إلى أن مصدرا سعوديا أخبر رويترز الجمعة أن مكان وجود جثة خاشقجي غير واضح بعد تسليمه إلى “متعاون محلي” داخل تركيا.
سادسا: لماذا قالت السعودية إن خاشقجي غادر القنصلية، في حين أن هذا لم يحدث؟
يقول الكاتب إنه عندما لم يرجع خاشقجي من القنصلية فإن خطيبته خديجة جنكيز التي كان تنتظره في الخارج استشعرت الخطر ونبهت إليه.
غير أن مسؤولين سعوديين أخبروا الصحفيين مرارا أن خاشجقي غادر القنصلية من باب خلفي بعد وقت قصير من وصوله، وأنهم أيضا قلقون بشأن مصيره.
ويضيف الكاتب أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كرر ما قاله هؤلاء المسؤولون في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ونسب الكاتب إلى بن سلمان قوله للوكالة “فهت أنه دخل وخرج بعد بضع دقائق أو ساعة واحدة، لست متأكدا، نحن نحقق في ذلك من خلال وزارة الخارجية لنرى بالضبط ما حدث في ذلك الوقت“.
سابعا: كيف لم يعرف ولي العهد بالأمر؟
يقول الكاتب إن الرواية السعودية لا توحي بأن ولي العهد كان على علم بما حدث لخاشقجي.
ويشير إلى أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز كلف ولي العهد بتشكيل وترؤس لجنة وزارية لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديثها بعد مقتل خاشقجي.
ويشير تايلور إلى أن بن سلمان يعتبر القوة الحقيقية في السعودية، وأنه يقود حملة لتحديثها، مضيفا أن بعض الخبراء يقولون إنه يقف وراء حملة قمع لحرية التعبير في البلاد.
وينسب الكاتب إلى دبلوماسي أميركي سابق رفيع المستوى القول للصحيفة بعد وقت قصير من اختفاء خاشقجي إنه لم يكن هذا ليحدث أبدا دون موافقة بن سلمان “لا، أبدا أبدا أبدا“.
كما ينسب الكاتب إلى مسؤولين أميركيين تصريحهم بأن مستشار ولي العهد سعود القحطاني كان من بين من تعرضوا للطرد من مناصبهم أمس، وأن القحطاني كان وراء محاولات إغراء وجذب خاشقجي للعودة إلى السعودية.
ويشير تايلور إلى أن القحطاني سبق أن أطلق تغريدة على موقع تويتر العام الماضي تقول “هل تعتقدون أنني أستطيع أن أتصرف بمفردي دون أخذ الأوامر؟“.
ويضيف الكاتب أنه بعد الرواية السعودية أمس فإن تغريدة القحطاني قد تمت مشاركتها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي “أنا موظف ومنفذ موثوق لأوامر الملك وولي العهد“.
ثامنا: هل الرجال الذين اعتقلتهم السعودية هم نفس الرجال الذين تم التعرف عليهم من جانب السلطات التركية؟
يشير الكاتب إلى أن الحكومة السعودية أعلنت عن اعتقال 18 شخصا، غير أنه من غير الواضح ما إذا كان هؤلاء الأشخاص هم نفس الـ15 شخصا المشتبه بهم الذين تم التعرف عليهم من جانب السلطات التركية.
وقال إن تقريرا لقناة العربية الإخبارية السعودية كان في وقت سابق قد أفاد بأن هؤلاء الـ15 كانوا “سياحا”، وأنهم كانوا متهمين زورا.
تاسعا: لماذا استغرق البيان السعودي 17 يوما حتى ظهر؟
يقول الكاتب إنه مهما تكن الإجابات عن هذه الأسئلة فإنه من اللافت للنظر أن الأمر استغرق وقتا طويلا حتى تكشف السعودية عن أن الخاشقجي قد مات، وذلك عندما أقرت الرياض أخيرا بوفاته، غير أن الرواية السعودية ليس من شأنها أن يقتنع بها كثيرون.
وينسب الكاتب إلى الخبير في الشأن السعودي بجامعة “أوتاوا” توماس جونو قوله في تغريدة على تويتر إن الوضع قد انكشف، وإنه يمثل “ضعف القدرة الإدارية السعودية”، وإن هناك “انطباعا عاما عن الفشل”، وعن أن الأمر يدل على طريقة خرقاء.