فرنسا وألمانيا على طريق تركيا: ناصر قنديل
– عندما بدأ الاهتمام الروسي بانتقال تركيا من ضفة الحرب على سورية إلى ضفة الانخراط السياسي لم يكن الأمر مجرد تمنيات بل ثمرة يقين بالطريق المسدود الذي رسمته روسيا بوجه رهانات تركيا على دورها في الحرب، ورسم فاتورة الكلفة المرتفعة لهذه الرهانات، ووضع معادلة لإدارة العلاقة مع تركيا تقوم على ثنائية الشدّ والجذب، ورفع سقف التحدي مقابل فتح أبواب الاحتواء. وقبل عامين كانت معركة حلب هي المحطة الفاصلة لتبدأ تركيا مسيرة متعرّجة من التفاعل مع الخطة الروسية وصولاً للحظة الحاسمة في الخيارات التركية بصدد إدلب، والتموضع تحت سقف الرؤية الروسية .
– اكتمال مسار أستانة الذي كان عنوانه إحاطة تركيا بسوار روسي إيراني عسكري ضاغط وسياسي اقتصادي جاذب، يجد تتويجه اليوم وبعد عامين من الجهد على المسار التركي، ويتحوّل عنوان أستانة إلى الصيغة التي تتقدم الجهود السياسية للمسار الذي فشل في جنيف، وتلعب تركيا الآن دوراً مماثلاً للذي لبعته إيران بمساندة روسيا في جذب تركيا، فتقف إلى جانب روسيا لجذب أوروبا ممثلة بقوتيها الرئيسيتين الفرنسية والألمانية إلى مسار إسطمبول، حيث ثلاثية عودة النازحين وإعادة الإعمار والمسار السياسي.
– منذ زمن وروسيا تنظر بعين الاهتمام لتفكيك الجبهة التي أقامتها واشنطن للحرب على سورية، والدور المحوري لتركيا في هذه الحرب كان سبب التركيز على البداية من تركيا بقوة فهم روسي للجغرافيا السياسية التي تحيط بتركيا وتشكل فيها روسيا وإيران عوامل وازنة في الاقتصاد والأمن، وبالمثل كانت روسيا تهتم للحظة مناسبة تتيح جذب فرنسا وألمانيا بقوة العناصر ذاتها، الاقتصاد والأمن، من بوابة النازحين وإعادة الإعمار، وتستعين بتركيا الشريك المعني بالعنوانين، مستقوية بالخبرة الأوروبية المتراكمة من تجربة الأسلوب الأميركي في إدارة ملفات المنطقة من دون إقامة حساب للمصالح الأوروبية. وأمام أعين أوروبا مثالان فاضحان، واحد في التعامل مع القضية الفلسطينية بصورة تهدد بتفجير المنطقة وضخّ ملايين المهجّرين إلى اوروبا، والثاني في التعامل مع الملف النووي الإيراني بما يهدّد بنقل إيران إلى ضفة التصعيد الذي ستكون أوروبا في واجهته، لتلتقط روسيا التمايز الأوروبي وتستثمر عليه توظيفاً راهناً تستطيع أوروبا التأثير فيه والدفع باتجاه تغيير التموضع الأميركي الذي فقد أوراق الرهان على التصعيد والعنوان هو سورية بينما لا تملك أوروبا القدرة على تغيير وجهة العنوانين الفلسطيني والنووي قبل أن تغير واشنطن وجهتها.
– المشاركة الفرنسية الألمانية في قمة إسطمبول حول سورية، تنقل تركيا من موقع تفادي خطر سداد فواتير التموضع على ضفة الحرب، إلى موقع التطلع لتحقيق مكاسب لعب درو محوري في العملية السياسية وفي ورشتين كبيرتين هما، ورشة عودة النازحين وورشة إعادة الإعمار، من بوابة الدور الأوروبي الذي تسعى موسكو لاستقطابه إلى مسار إنهاء الحرب في سورية، وتطلق معه مساراً شبيهاً بمسار أستانة القائم على ثنائية الشد والجذب، التي استهلكت سنتين مع تركيا حتى بدأت تستقيم وجهتها منذ اتفاق إدلب، وهذا يعني أن لا توقعات بسقوف عالية لمؤتمر اسطمبول، بل افتتاح مسار يكمل مسار أستانة وبالإيقاع ذاته، لكن بالثبات والوضوح ذاتهما، في لحظة تسليم أميركية بالعجز عن تغيير اتجاه الأوضاع في سورية، والحاجة للبحث عن بدائل في السياسة يذهب مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى موسكو لفتح باب البحث حولها، حيث يمكن أن يتلقى دعوة حكومة بلاده للمشاركة كمراقب في مسار إسطمبول، بمثلما كان الحال مع أستانة.
– موسكو تبني أهراماتها الاستراتيجية حجراً فوق حجر.