صحف اسرائيلية: بن سلمان خيّب آمال أصدقائه بتل أبيب
يوجد اختلاف في إسرائيل بين القيادة السياسية الرسمية وبين وسائل الإعلام والخبراء في شؤون الشرق الأوسط حول تعاملهم مع قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول. فالقيادة الرسمية الإسرائيلية امتنعت عن التطرق لعملية الاغتيال البشعة، فيما استمدت وسائل الإعلام، وخاصة الصحف، الأخبار حول هذه القضية من وكالات الأنباء ونشرتها بشكل جاف، لكن المحللين والخبراء في شؤون الشرق الأوسط عبروا عن خيبة أملهم من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد أن كانوا يكيلون المديح له، منذ تعيينه في منتصف العام الماضي، ويعتبرونه “الأمير الشاب الإصلاحي”، وصديق إسرائيل الذي اعترف “بحق اليهود في أرضهم” وتعهد بتمرير “صفقة القرن” على حساب الفلسطينيين، ويرون فيه حليفا لتل أبيب ضد إيران.
وعبر عن الموقف الإسرائيلي الرسمي إزاء اغتيال خاشقجي، ربما بشكل عفوي، وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، خلال جولته التي هدد خلالها بشن حرب ضد قطاع غزة، وفجأة تلقى سؤالا من أحد الصحافيين حول اغتيال خاشقجي، فأجاب أنه “توجد مشاكل كثيرة لدى إسرائيل، دع هذا للمجتمع الدولي“.
وبدت الأخبار المنشورة في الصحافة الإسرائيلية كأن هيئات التحرير فيها مكرهة على نشرها. فقد تحول الاغتيال إلى قضية رأي عام دولي، خاصة في الولايات المتحدة، التي كان خاشقجي ينشر بشكل دائم مقالا في أهم صحفها، في “واشنطن بوست”. وبالأمس، مثلا، نشرت صحيفة “هآرتس”، خبرا في صفحة داخلية حول تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن القتلة عملوا دون أوامر من النظام السعودي. كذلك فعلت صحيفتا “يديعوت أحرونوت” و”يسرائيل هيوم”، أما صحيفة “معاريف” فلم تنشر خبرا في نسختها المطبوعة ووجهت قراءها إلى موقعها الالكتروني. ومقارنة بتغطية شبكات التلفزيون في العالم لهذه القضية، فإن تغطيتها في قنوات التلفاز الإسرائيلية مقتضبة.
رغم ذلك، فإن قضية اغتيال خاشقجي لم تغِب عن أعمدة المحللين والخبراء في الشؤون العربية، الذي وجهوا لومهم نحو بن سلمان. لكن يبدو أن هؤلاء تغاضوا عن تمادي بن سلمان منذ تعيينه وليا للعهد، بل وقبل ذلك. فهو يحتجز والدته ويمنع والده من رؤيتها منذ سنتين. وبعد تعيينه وليا للعهد احتجز عشرات الأمراء والأثرياء، بشكل يذكّر بأساليب العصابات، بادعاء محاربة الفساد، وأرغمهم على دفع أموال بلغ مجملها نحو 100 مليار دولار، بحسب التقديرات، وليس معروفا أين استقرت هذه الأموال. ولم تندد إسرائيل أو صحافتها أو محللوها باختطاف بن سلمان العلني لرئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، بعد أن استدرجه إلى السعودية بالخديعة واحتجازه أسبوعا، وأطلق سراحه بعد ضغوط دولية وبعد أن أرغمه على الاستقالة من رئاسة الحكومة.
لكن المحللين والخبراء الإسرائيليين اضطروا إلى التطرق إلى سلوك بن سلمان في أعقاب اغتيال خاشقجي، ليس محبة بالأخير، وإنما لأن “الأمير الشاب الإصلاحي” بنظرهم ظهر الآن كشخص عديم المسؤولية ومتهور ومصاب بجنون العظمة ولا يردعه أي شيء.
كتبت الإعلامية والمتخصصة في الشؤون العربية، شيمريت مئير، في “يديعوت أحرونوت”، أمس الثلاثاء، عن خلفية إعجاب الإسرائيليين ببن سلمان، بأنه “أمير شاب، يظهر جيدا في الصور، محبوب على شبان بلده ويمثل نموذجا قياديا مختلفا”. وأشارت إلى أنه “عندما تحدث بن سلمان مع الأميركيين، وبينهم الكثير من اليهود، وحتى مع الإسرائيليين، عن الإصلاحات التي ينوي إجراءها في المملكة، عن الانقلاب الاقتصادي، عن الحرب بواسطة التربية ضد التطرف والكراهية، فقد سمعوا أمورا لم تُقل، مثل حقوق الإنسان، حرية التعبير والمساواة للنساء“.
لكن مئير أضافت أنه “بنظره، اقتصاد حي يمكن أن يسير في موازاة حكم استبدادي يلائم الثقافة السياسية المحلية. ومقابل خصومه، أثرياء فاسدين وأبناء عم منافسين في القصر ونشطاء حقوق إنسان أو صحافيين نقديين مثل خاشقجي، يستخدم بن سلمان القوة بلا حدود، بهدف كسر المعارضة أو ردع آخرين. وربما طريقة العمل هذه ستنجح، أو ستحقق الهدف المعاكس، مثلما نرى هذه الأيام”، في اتهام مباشر لبن سلمان عن مقتل خاشقجي.
وتابعت أن بن سلمان يعتبر “فتى” بمفاهيم سعودية، ولفتت إلى أصوات تتعالى داخل القصر الملكي بأن “ولي العهد يلحق أضرارا أكثر من الفوائد التي يجنيها، وبتهوره يشكل خطرا على استقرار المملكة. والسؤال هو ما إذا ستكون لديهم القوة والشجاعة للعمل ضده طالما تقف الإدارة الأميركية إلى جانبه“.
وأضافت مئير أنه “ربما شاهد بن سلمان أفلاما أميركية كثيرة، ولعب كثيرا بألعاب الفيديو، لكن انعدام خبرته لم تمكنه من التقدير بشكل صحيح التحولات الإعلامية في الغرب. ونحن نشهد اليوم سقوطه، من فتى الغلاف في العالم الغربي، إلى تصويره في الأيام الأخيرة كديكتاتور وكخطر على سلامة المنطقة“.
ووفقا لمئير، فإن بن سلمان كان غارقا في التطبيع والتآمر مع إسرائيل: “لقد تعين على المحور الإسرائيلي – السعودي أن يغير النظام العالمي في المنطقة، إن كان ذلك في سياق الجبهة ضد إيران أو في سياق التطبيع، الاقتصادي على الأقل، بين الدولتين. وفعلا، بن سلمان أثار انطباعا هائلا على الإسرائيليين واليهود الذين التقوه. وينبغي القول لصالحه، إنه خلافا للعادة الإقليمية التي بموجبها يتفقون مع الإسرائيليين في الغرف المغلقة وينفلتون ضدهم في العلن، فإنه في حالته باتت اللهجة تجاه إسرائيل في الإعلام السعودي والميديا الاجتماعية ناعمة بصورة ملحوظة“.
ورأت مئير أن “بن سلمان لن يكون بعد الآن المحرك الذي سيفرض ’صفقة القرن’ على الفلسطينيين. وإخفاقاته، وبينها التنفيذ الفاشل في ’إخفاء’ خاشقجي، ستبقي إسرائيل فعليا وحيدة في الحرب ضد الإيرانيين. وفي جميع الأحوال، فإن التعبير العلني عن العلاقات مع الدول العربية، الذي تحدث عنه نتنياهو في الكنيست (أول من أمس)، سيؤجل على ما يبدو حتى يستقر عرش بن سلمان“.
رأى المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، البروفيسور أيال زيسر، في مقال نشرته “يسرائيل هيوم”، أنه “كان يبدو أن السعودية تحولت إلى دولة المحور التي تستند إدارة ترامب عليها لتنفيذ سياستها في الشرق الأوسط… لكن الكثيرين في الغرب تفاجأوا من ولي العهد السعودي بن سلمان، المتورط حتى عنقه بقتل الصحافي في تركيا. وهذه القضية حطمت بالكامل صورة الزعيم المتطور والمتنور… وطرحت علامات استفهام ثقيلة حيال ترجيح الرأي ومدى الحنكة لدى الرجل الذي يقود السعودية اليوم“.
وحول صورة بن سلمان بنظر الغرب بعد توليه ولاية العهد واختلافها الآن إثر اغتيال خاشقجي، كتب زيسر أن “النضوج والخبرة تقتنيان بالعذاب، وقد تبين أكثر من مرة أن ولي العهد متهور وغير متزن” في حربه على اليمن واختطاف الحريري، على سبيل المثال.
وأضاف أنه “ظهرت الآن قضية تصفية الصحافي السعودي في اسطنبول… وهذا لعب بالنار. فمن يدعي أنه ينتمي إلى العالم المتنور، عليه أن يتبنى جزءا من قواعد اللعبة وعالم القيم الغربية. والأهم من ذلك أن عليه إبداء الحذر الزائد والحنكة. ولم يحدث شيء من هذا في القنصلية في إسطنبول”. ورأى زيسر أنه من الجائز إجراء تسوية وإزالة القضية عن الأجندة العالمية، “لكن حلفاء السعودية والذين يريدون الخير لها، وبينهم واشنطن وتل أبيب، الذين توقعوا الكثير من بن سلمان، خائبو الأمل الآن“.
ورأى محلل الشؤون الدولية في موقع “واللا” الالكتروني، أورِن نهاري، في مقال خاطب فيه بن سلمان بشكل مباشر، أنه “ليس لديك من يمكن اتهامه (بقتل خاشقجي)، فأنت وجه النظام. والسعودية هي الحالة الوحيدة التي فيها الملك يعرف أقل من ولي العهد. أنت تقود الدولة والمقرر. هكذا يؤمن العالم كله على الأقل، وهكذا أنت أقنعت الغرب، وحصلت على رصيد. وهكذا أنت تبذره. الثقة تتلاشى بسرعة، وعندما يحل انعدام الثقة مكان الثقة لا توجد طريق للعودة“.
وأضاف نهاري أنه “خلال سنة واحدة فقط، نفذت خطوات كثيرة ومتناقضة… المرجل يغلي فوق جميع ألسنة اللهيب في المواضيع الداخلية والخارجية في السعودية. وفي هذا التوقيت بالضبط جاءت قضية خاشقجي، الذي اختفى في قنصليتك في تركيا. وتبدو هذه كأنها عاصفة في فنجان ستتلاشى بسرعة، وجزء من لعبة تجسس، لكنها وحشية وإشكالية. هذه ليست عملية تسميم ذكية بمادة مشعة خلال وجبة عشاء في لندن، وإنما خلية أرسلت على عجلٍ من أجل قتل إنسان وتقطيع جثته داخل مبنى القنصلية“.
ورجح نهاري أن المصالح بين أميركا والسعودية لن تتغير، وإنما “صورة بن سلمان ستتغير. وبعد عشرات السنوات التي كانت فيها الرياض حليفة مخلصة وشرعية، والسنوات التي خُيّل فيها أن السعودية في الطريق الطويلة لملكية دستورية مع حقوق للنساء، تلاشى هذا الحلم… فالتصفية في القنصلية تبدو كحدث آخر، في سلسلة طويلة، من اتخاذ قرارات متهورة، من دون حساب النتائج الممكنة. وخلال سنة واحدة تحولت، سيدي ولي العهد محمد بن سلمان، من الواعد الأكبر في العالم العربي إلى شاب متهور. شاب متسرع يرأس مصلحة تجارية عائلية قد يسبب إفلاسها. وحيز المناورة آخذ بالانتهاء، والشرق الأوسط ليس متسامحا تجاه حكام فاشلين“.
يذكر أن المحلل السياسي الإسرائيلي، بن كسبيت، كان قد نقل في تشرين الأول/ نوفمبر الماضي عن مسؤول أمني إسرائيلي رفيع قوله إنه “نتعامل هنا مع أميرين شابين نسبيا (في إشارة إلى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد). ويُظهر بن سلمان جرأة غير مألوفة، وربما مغامرة أكثر مما ينبغي، وهو يتخذ قرارات كانت تعتبر قبل سنة أو اثنتين قرارات جنونية، ويطيح بالدبلوماسية السعودية إلى مستويات مختلفة تماما. وإنه لأمر مثير كيف سينتهي هذا الأمر”.