أسلوب ترامب وحلب الأموال
غالب قنديل
لا يجهد الرئيس الأميركي نفسه في التفكير لاختيار التعابير الدبلوماسية والمنمقة لمخاطبة حلفائه وخصومه على السواء وهو على استعداد للتقلب بين أسوأ أشكال الشتيمة والهجاء وأشد عبارات المديح والغزل وفقا لما يرتأيه في العلاقة بأي دولة او زعيم كما جرى في تصريحاته المتقلبة حول كوريا الشمالية والزعيم كيم جونغ أون.
تجعل مكانة الإمبراطورية الأميركية المهيمنة في العالم من هذه الطريقة في القول والتصرف نمطا جديدا في إدارة العلاقات الدولية يتسم بالفجاجة والعري وبالتالي يكشف ذلك بوضوح تعامل حكومة الولايات المتحدة كقوة متغطرسة تتصرف بعنجهية ولصوصية بوصفها ناهبا دوليا يريد تثبيت الهيمنة الأميركية في العالم بعدما زحفت عليها تحولات وتغييرات باتت تمثل مصدرا للقلق والاضطراب الذي يشي به السلوك الأميركي فيلائمه ويعبر عنه سلوك رئيس كدونالد ترامب.
في إدارة العلاقة الأميركية السعودية ظهرت نظرية حلب الأموال التي صاغها دونالد ترامب منذ انطلاق حملة ترشيحه للرئاسة وهو ما كان ميلا دفينا عند اليمين الجمهوري عبر عنه العديد من الكتاب والصحافيين ترامب يتابع في الطريق نفسه مع كل مناسبة او سانحة منذ اعتماده لتشبيه المملكة السعودية بالبقرة الحلوب وقد اظهرت الاستجابة السعودية لطلبات ترامب المالية منذ زيارته الشهيرة إلى الرياض وكانت اول محطة له في الخارج بعد تنصيبه مدى الطواعية والتبعية السياسية السعودية وقد ركزت الإدارة الأميركية الجديدة على استثمار ما أسست له إدارة باراك اوباما من خطوط حلب الأموال سواء عبر ورطة حرب اليمن المربحة للولايات المتحدة لما فيها من تسويق للأسلحة والذخائر وللخدمات التقنية الأميركية واختبارات للقنابل المنتجة حديثا أم من خلال صفقات السلاح الدورية التي باتت منذ عقود تقليدا سعوديا لا يتصل بالجدوى او بالحاجة.
المال كان دائما يحكم العلاقة الأميركية بأصدقاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج وليس ذلك فحسب على صعيد امتيازات الشركات الأميركية في حقول النفط وأسواقه بل على صعيد ما يكرره ترامب عن الحماية الأمنية والعسكرية للحكومات القائمة وقد جعلت الحملات الأميركية منذ عقود من تضخيم الأخطار والتهديدات الافتراضية والمصطنعة مصدرا لإحكام القبضة على عواصم المنطقة التي تلبست خلال أربعة عقود “الرهاب الإيراني” والتصقت بالغرب واستجلبت الأساطيل والقواعد ودفعت الكثير.
دونالد ترامب وضع إدارة هذه العلاقة تحت الضوء وجعل من كل تطور فرصة لطلب المزيد من المال للشركات وللخزينة الأميركية وهكذا فإن ورطة حرب اليمن التي ساهمت في إشعالها إدارة باراك اوباما وفقا لكتاب وخبراء اميركيين باتت تدر سنويا على الولايات المتحدة اكثر من خمسين مليار دولار تدفعها الحكومة السعودية للشركات الأميركية فكيف يعقل تصديق الكلام الأميركي عن وقف هذه الحرب التي تمثل استثمارا مربحا بهذا الحجم.
سر العائدات المالية في الحروب الأميركية يكتم عادة كما هي حال الحرب الأفغانية المتواصلة منذ سبعة عشر عاما وليس ثمة إرادة لإنهائها أقله من جانب واشنطن التي لا تبرح تمدد لانتداب قواتها وتزيد عديدها ويصح نعتها بحرب الأفيون لما تمثله من مورد وفير لتجارة المحاصيل الأفغانية الضخمة التي يشرف عليها ضباط المخابرات الأميركية والقوات الخاصة بالشراكة مع زعماء بعض القبائل الأفغانية وقادة طالبان وقد تفتقت عبقرية دونالد ترامب عن اقتراح تلزيم حرب أفغانستان لشركات المقاولات العسكرية التي تستخدم جيوش المرتزقة بدلا من القوات الأميركية النظامية وهي فكرة تستكمل صورة الاستثمار المالي فتصبح حقول أفغانستان تحت حراسة الشركات الأمنية الأميركية.
ما أثاره السيد حسن نصرالله من أفكار ومواقف حول أسلوب ترامب في معاملة حكومات الدول التابعة من خارج اللياقات وبجلافة طلب المال على الهواء مباشرة صحيح تماما وهو يفضح بشاعة الإذعان والارتهان السياسي والخضوع لمنظومة الهيمنة الأميركية.
المؤشرات الأخيرة تعزز فرضية التدبير الأميركي لتوريط المملكة السعودية وابتزازها بصورة تذكر بالغزو العراقي للكويت وبدر السفيرة ابريل غلاسبي فمن الواضح ان اخفاء الصحافي الخاشقجي وربما تصفيته كان فخا زلقا وقعت فيه القيادة السعودية بفعل نمطها وطبيعة نهجها وهي لم تعر بالا إلى وطأة الفضيحة وتفاعلاتها في الغرب والمنطقة بينما ستمثل النتائج فرصة سانحة لحلب الأموال يعول عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعه الرئيس التركي رجب أردوغان فهما يتوليان هندسة المخرج السياسي والإعلامي للورطة السعودية عبر إعداد ما سيتم إعلانه والتصريح به بعد موجات عاتية من التسريبات والتقارير التي ضج بها العالم حول ما جرى داخل القنصلية السعودية بعد دخول الخاشقجي إليها.
الضجة الأميركية كبيرة حول القضية وكذلك الضجة التركية ويشاع كلام كثير عن التكهنات والنتائج وفي الحصيلة لا يمكن لفلفة كل ذلك وتخريجه بتلفيق رواية ما دون شراكة ستطلب ثمنها السياسي والمالي كل من الولايات المتحدة وتركيا وسيكون على المملكة السعودية ان تدفع لاستنقاذ سمعتها وصورتها السياسية الملطخة.
اللافت للانتباه ان مصالحة تركية أميركية قد تمت تحت غطاء الضجة وفي قلبها بالإفراج عن القس برونسون الذي كان عنوانا رئيسيا في أزمة مستعرة بين الحليفين وهو ما ينذر بعودة الحياة إلى الشراكة بينهما ما سيتيح فرصا أكيدة للتنسيق والتناغم في حلب المال السعودي .