هل انطوت صفحة محمد بن سلمان؟ قاسم عز الدين
الميادين
الزلزال الذي أحدثته ضدّ السعودية تصفية الكاتب الصحافي جمال الخاشقجي، يبدو أنه يجري العمل على إخماده عبر صفقة بين أنقرة والرياض وصفقة موازية مع دونالد ترامب. لكن ما أطاح به الزلزال في صفحة محمد بن سلمان، قد يصعب على الصفقات إعادة ترميمه .
أنقرة تلمّح بالقطارة إلى ما هو بحوزتها من قرائن بالصوت والصورة
وفد السعودية إلى أنقرة برئاسة خالد الفيصل، لا يبدو أنه ينضم إلى مجموعة العمل المشتركة التي أعلنت عنها الرئاسة في تركيا من أجل كشف الحقيقة وتسهيل التحقيقات في القنصلية السعودية وفي بيت القنصل. فالإخراج التركي والأميركي مع السعودية، يشير إلى العمل على صفقة مشتركة لتسوية أثر الزلزال الذي أحدثته تصفية جمال الخاشقجي.
الرئيس التركي يقول أن كاميرات التسجيل في القنصلية هي الأكثر تطوراً، رداً على نفي السعودية تسجيلات الواقعة. لكن أنقرة تلمّح بالقطارة إلى ما هو بحوزتها من قرائن بالصوت والصورة. وهو ما سجّلته أجهزة التنصّت التي زرعتها الاستخبارات التركية في داخل القنصلية، كما توضّح شبكة أن.بي.سي. الأميركية نقلاً عن مصادر استخبارية التي باتت تستحوذ على التسجيلات.
في هذا السياق يرسل ترامب السفير خالد بن سلمان إلى الرياض، محمّلا بعناصر الصفقة على الأرجح والردّ عليها من محمد بن سلمان الذي صرّح قبل واقعة القنصلية بأن السعودية لن تدفع لترامب مقابل الحماية. فترامب الذي يكرّر مطالبه بالدفع مع شبكة فوكس نيوز للمرّة الخامسة، يرفض المحاسبة والمعاقبة في أدنى حدودها كوقف تصدير السلاح إذا أن لديه “طرقاً أخرى لمعالجة الوضع” كما يقول.
لا تتعدّى هذه الطرق أكثر من المطالبة بالدفع وزيادة الاستثمارات السعودية البالغة 110 مليار دولار وخوصصة شركة آرامكو في بورصة نيويورك. ولا تطمح أنقرة مقابل الصفقة مع الرياض، إلى أكثر من تعزيز التجارة والاستثمارات. فالرئيس التركي يحرص على المنافسة مع السعودية على زعامة العالم العربي، في الفوز بالنقاط وليس بالضربة القاضية التي تعزّز إيران ومحور المقاومة في المنطقة.
الصفقة التركية ــ الأميركية مع محمد بن سلمان، يصعب في حال نجاحها ترميم ارتدادات الزلزال التي تستمر بالتفاعل إلى حدّ التداول في احتمالات إزاحة محمد بن سلمان بحسب فورين بوليسي الاميركية التي تتوقع تعليق بعض الاتفاقيات مع السعودية في حال سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس في الانتخابات النصفية الشهر المقبل. وفي هذا الصدد يؤكّد العضو البارز ليندسي غراهام أن السعودية “ستدفع ثمناً باهظاً”. والأمر كله مرتهن إلى ما تقوم به تركيا ففي حال لم تقدّم دليلاً قاطعاً فإن ترامب والدول الغربية الأخرى ستجد سهولة كبيرة لمواصلة علاقاتها كما كانت، وفق صحيفة الغارديان البريطانية.
لكن من المستبعد إمكانية مواصلة العلاقات كما كانت، على الرغم من المصالح التركية الواسعة والمليارات الباهظة التي يضع ترامب عينه على اصطيادها. فما قام به محمد بن سلمان من تغيير دراماتيكي داخل السعودية وفي الحرب المأساوية على اليمن، جرى حمايته وتغطيته في أميركا والدول الأوروبية بمزاعم “التحديث والاصلاح” التي تبرّر غاياته الوسائل المتّبعَة. لكن هذه الورقة التي تحترق في القنصلية السعودية، بات من المتعذّر إعادة إحيائها. وهو ما يقلق شركات العلاقات العامة الأميركية التي روّجت لمثل هذه المزاعم كشركة غلوفر بارك غروب وشركة هوغان وغيرها.
المسألة الأخرى ذات الحساسية القصوى في تغيير الحماية والتغطية لمحمد بن سلمان، هو اتهامه بتصفية رجل الديمقراطية الاميركية الأمثل في العالم العربي. فجمال الخاشقجي لقي تشجيعاً من الدوائر الاميركية الحساسة في إنشاء “جمعية الديمقراطية الآن للعالم العربي” وهي للمصادفة موجّهة ضد النفوذ الإيراني، وتتقاطع مع الكثير من أعضاء الكونغرس في لجنة العلاقات الخارجية من المحافظين المتشدّدين كبوب كوركر وكوري غارديز وراند بول. وهؤلاء هم أكثر الناشطين في دعوة ترامب وإدارته لمعاقبة المتورطين بشدّة. ومن الأرجح استمرارهم بالضغط على ترامب إذا لم تنجح تركيا بتهذيب نتائج التحقيق وفق الصفقة.
الأثر الجانبي الذي يصعب ترميمه، هو صعوبة تسويق الادعاءات السعودية في المنطقة العربية التي ضجّ بها البعض في الفترة الماضية. لكن هذا البعض قد يكون حاضراً لترويج ما يمكن أن يلجأ إليه محمد بن سلمان للتعويض عن الأزمة، وهو الانتقال من الادعاء بأنه رجل الاصلاح والتحديث إلى رجل السلام مع “إسرائيل“…