أم عماد مغنية بطلة من شعبنا
غالب قنديل
كانت هذه السيدة العظيمة التي نودعها اليوم طليعية في جيلها بين النساء فاعتنقت خيارا فكريا سياسيا والتزمت به نضاليا وقامت بتربية أبنائها في مناخ الثقافة الإسلامية التي نهلتها في قلب الحالة التي اطلقها المفكر الراحل آية الله السيد محمد حسين فضل الله وهي حالة تميزت بمستواها الثقافي الراقي ولغتها الحوارية المهذبة مع سائر التيارات والقوى اللبنانية والفلسطينية وكذلك بانتمائها النضالي إلى نهج المقاومة الشعبية المسلحة وأولوية التناقض مع العدو الصهيوني .
واجهت ام عماد في مسيرة حياتها تحدي استشهاد أبنائها المقاومين والقادة وقدمت امثولة حية لأمهات المقاومين في الصبر والتحمل والتضحية وتحويل مناسبة الاستشهاد إلى احتفال بتقديم فلذة كبد في طريق المقاومة والتحرير وهذه الأمثولة كانت موضع اعتزاز من يحيطون بها وأخجلت كل من يدعوه الواجب للتضحية وهذه السيدة الملتزمة المحبة كانت حاضرة دائما لمواساة الناس في مواسم الصمود والشهادة على مدار عقود وكانت زياراتها لا تنقطع لبيوت عائلات الشهداء وقد وجدت فيها الأمهات قدوة وعزاءا فكانت عامودا شاهقا وركنا راسخا تستند إليه حالة معنوية صلبة احاطت بالمقاومة التي أتقنت احتضان عائلات الشهداء وحفظت دروس التجارب السابقة فأدرجت هذا البند على رأس اولوياتها حتى بات مجتمع العائلات المضحية ركيزة قوية ومتينة لعطاء يتجدد في مسيرة المقاومة.
هذه السيدة العظيمة كانت ملهما ثقافيا لجمهور المقاومة وقدمت قدوة ومثالا ساطعا واكتسبت كلماتها التعبوية مصداقية نادرة وفعلت فعلها في النفوس المكلومة والأرواح المتألمة من وجع خسارة زوج او حبيب او ابن او شقيق او صديق وباتت هي المعيار الذي تصبو إليه العقول فيهون عند الجميع مقارنة بما قدمت وما تحملت ألم الفقد والغياب امام سمو الهدف المحقق صمودا وانتصارا او تراكما في مسيرة المقاومة.
إنها المرأة الجنوبية المكافحة التي ربت مع زوجها الراحل عائلة مناضلة تميز أبناؤها جميعا بسمو الأخلاق وبعفة اللسان وعمق التفكير وصدقية الإلتزام النضالي وهي صاحبة سيرة تستحق ان تدرس وتعرف وتعلم فتحفظ بوصفها بطلة شعبية عظيمة ونموذجا للمرأة المقاومة فما عرفه الناس عنها كان في حدود ما اظهرته متحركة او متحدثة في رثاء الشهداء لكن ام عماد التي احتضنت ثلاثة أبناء وحفيدا من أبطال المقاومة بينهم القائد البطل عماد مغنية شاركت في أفعال كثيرة رفدت بها المقاومين عمليا وتعبويا وفي ظروف حرجة كثيرة كما يردد بعض العارفين.
بالتأكيد إن أم عماد تألمت وفجعت مثل أي ام أو جدة لكنها في كل مرة استعانت بإيمانها وبثقافتها المقاومة فغلبت وجعها الفردي وحولته إلى قوة اندفاع جديدة في سبيل خلاص الوطن والناس كل الناس فطوت الوجع والدمع بصمت لتطلق العنان لكلماتها المؤثرة التي تستنهض الهمم وتحث الشباب المجاهد على المضي في المسيرة حتى النصر.
إنها السيدة التي علمتنا معنى التضحية والصبر وقدمت لنا المثال في الشجاعة ويجب أن تبقى في ذاكرة شعبنا مشعلا منيرا لمسيرة المرأة الواعية المثقفة التي تناضل في سبيل شعبها ووطنها ولا تبخل بأعز ما لديها.
سيكون توثيق مسيرة هذه السيدة الفذة عملا فكريا ثقافيا إعلاميا لابد منه في معركة الوعي التي تخوضها المقاومة على مستوى منطقتنا فالمعارك مستمرة والصراع ضد الهيمنة الاستعمارية لن يتوقف قريبا وكلما ربحنا فصلا واجهنا غزوة جديدة ولو بعد حين وستبقى المقاومة هي طريق التحرر والانعتاق الفعلي من نير السيطرة الاستعمارية الصهيونية.