الشباب المقاتل والقضية الحية
غالب قنديل
كلما توهم الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يسعى للسيطرة على المنطقة ان قضية فلسطين قد انطفأت أو أنه تم ترويض الفلسطينيين وتيئيسهم ليقبلوا بالاحتلال الصهيوني وبإسقاط حق العودة وتعويم الكيان الغاصب بمعونة الحكومات العربية التابعة يبادر فتيان فلسطين وفتياتها بصورة غير متوقعة لتسديد ضربة للاحتلال هي باستمرار صفعة لذلك الحلف ولأذنابه في المنطقة.
العملية التي نفذها يوم الأحد شاب فلسطيني من خارج الفصائل المنظمة يدعى أشرف نعالوه هي مبادرة تثير الإعجاب من الناحية العسكرية والأمنية بتمكنه من دخول مجمع “بركان” الاستيطاني مع سلاحه الفردي وتسديد الرصاص إلى عدد من المستعمرين الصهاينة أوقع بينهم قتيلين وجريحا ثم نجح في الانسحاب ليخلف وراءه ارتباكا وذعرا شديدين واستنفارا حرك في أثره ألوية وكتائب عسكرية وأمنية بحثا عن مخبئه او مكان تواجده.
من الأخطاء التي شاعت في توصيف العملية انها فردية وهي كذلك من الوجهة التقنية لكنها جزء من ظاهرة واسعة فالفدائي أشرف الذي نفذ الهجوم يوم الأحد يواصل دربا سبقه عليها كثيرون من أبطال العمليات الفدائية خلال الفترة القريبة الماضية من احمد جرار إلى عبد الكريم عاصي وقبلهما القائد الشهيد باسل الأعرج وغيرهم …إنهم طليعة جيل مقاوم وليسوا أفرادا مبعثرين بلا هوية.
يتحول الشاب الفلسطيني الثائر إلى تنظيم قائم بذاته فيستخدم سلاحا من صناعة محلية وربما يكون الفدائي البطل الحائز على بكالوريوس الهندسة قد صنعه بنفسه وهو قام بالتخطيط لعمليته في رقعة كانت مقر عمله اليومي وبالتالي يحفظها عن ظهر قلب بجميع التفاصيل والمواقيت وتلك ميزة نوعية في أبناء الأرض الثائرين الذين يعتمدون على انفسهم ليغدو نشاط الواحد منهم لغزا عصيا على مخابرات العدو وعلى جميع اجهزة الأمن المتعاونة مع الاحتلال.
الجيل الفلسطيني الشاب الذي عاصر مسيرة اوسلو بكل عارها وإحباطها وخيباتها مدرك بوعي لعقم التسويات ولبلاهة وتفاهة الخطب السياسية الترويجية التي ترددها القيادات الفلسطينية المساومة وهو يعي بكل عمق مأزق الرهان على تحصيل أي من الحقوق البديهية باستجدائها من العدو او من كفيله وحاضنه الأميركي وهذا الجيل الفلسطيني يعيش يوميات التنسيق بين السلطة الفلسطينية ومخابرات العدو ويتعلم كيفية النفاذ إلى اوكار المستعمرين والإفلات من تعقب الجواسيس المغروسين داخل البلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية .
لا طريق غير المقاومة هي عبرة تاريخية تعلمها الشباب في فلسطين المغتصبة عام 48 وفي الضفة وغزة حيث يجودون بأرواحهم ودمائهم في المسيرات التي تتحدى الاحتلال والحصار فمن أين يتسنى الرهان على إخماد البركان الفلسطيني.
عندما حركوا مقاومتهم وهباتهم نظموا معاركهم عبر مواقع التواصل وأتقنوا اختيار الساحات وبرعوا في استخدام السكاكين والخناجر وأتقنوا عمليات الدهس المنظم حيث لا سلاح في متناول أيديهم فنجحوا في تعميم الارتباك والذعر في صفوف العدو.
قيادة الفصائل مستغرقة في دوامة النقاش العقيم حول وحدتها وتوزيع محتمل لحصصها في الأطر القيادية لمنظمة التحرير التي هي إنجاز نضالي لشعب فلسطين وباتت عبر عقود من اللهاث خلف التسويات هيكلا مدجنا يعتاش على الفتات الأميركي السعودي وينسق مع العدو ضد طلائع الفدائيين من الشباب المقاتل في كل فلسطين.
تلك المبادرات الفدائية الفلسطينية هي مؤشر لطريق نضالي جديد من خارج العلب الحزبية والعقائدية وهي إثبات لحالة القصور والترهل التي تعيشها غالبية التنظيمات التي انفصلت عن جذورها بفضل التكلس البيروقراطي في الشتات كما في هياكل سلطتي رام الله وغزة ونتيجة اختيار الطرق الأسهل بتخلي البعض عن النضال المسلح وسعيه الحثيث لقتل روح المغامرة الثورية لصالح التحصن في مواقع الدفاع الممكن والعمل الوطني الرتيب بقوة العادة.
من يسأل عن سر حياة قضية فلسطين فلينظر في الشجاعة والتضحية والإقدام التي يبرهن عليها جيل الفدائيين الشباب القادر على الابتكار والاتقان وتحدي المستحيل وليتأمل في ما يولده هذا الجيل الفدائي من الارتباك والحيرة في صفوف قادة الكيان ومؤسساته الأمنية والعسكرية المدججة بالتكنولوجيا وبالأسلحة.