تبقى الكلمة الفصل في المنطقة سوريّة: ناصر قنديل
– لأن المقياس الوحيد الحقيقي الثابت لتقدّم وتراجع أيّ من الحلفين المتقابلين على امتداد مساحة المنطقة والعالم، يبقى التقدم والتراجع في الجغرافيا. ولأن الجغرافيا إذا تعددت مساحاتها تبقى الأهمية للجغرافيا التي تلعب دوراً مقرّراً نسبة لحجم أهميتها في حسابات القوى المتموضعة على جبهات الصراع، ولأن الأهمية هنا ليست استنسابية أو تقديرية، بل تجد تعبيراتها في حجم الاستثمار السياسي والعسكري والدبلوماسي لتحقيق التقدّم ومنع التراجع فيها، والجغرافيا هي بر وبحر وجو، فغريب عن عالم السياسة، مَن لا ينطلق في قراءة مستقبل التوازنات الحرجة التي تقوم بين الحلفين المتقابلين، اللذين تقود أحدهما واشنطن، وتقود الآخر موسكو، من نقطة الثقل الجغرافية والاستراتيجية التي تمثلها سورية، ومشتبه أو مشبوه مَن يتوه أو يريد لنا أن نتوه في تفاصيل غامضة لقراءة التوازنات، حيث الكلام المتضارب، وتقدير الأهمية استنسابي، وتحديد صاحب اليد العليا تحكمه المزاجية والأهواء السياسية، مقابل الوضوح والسطوع اللذين تقدّمهما قراءة الجغرافيا السورية وحركيتها بين المتقاتلين .
– المعركة الأميركية مع روسيا ومع إيران يبقى محورها سورية رغم كثرة مفرداتها، من مواجهة أميركية روسية حول عشرات العناوين من السلاح الاستراتيجي إلى أوكرانيا، مروراً بملفات النفط والغاز يترجم حاصل ميزان القوة فيها، بعرض أميركي للتسوية عنوانه قبول روسي بإخراج إيران من سورية، وكذلك المواجهة الأميركية الإيرانية الممتدة من اليمن إلى العراق وفي رأسها العلني مستقبل الملف النووي، ومحاور التدخل لزعزعة استقرار إيران وحجم الرهان على العقوبات، تختصر كلها بتركيز أميركي على استعداد إيران للتراجع عن تمسكها بالحضور في سورية، وكذلك «إسرائيل» في تجاذباتها مع روسيا تبقى القضية هي سورية، من مستقبل وجود إيران وحزب الله إلى حرية حركة الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية، والصراع الإسرائيلي مع إيران ليس خافياً أن نقطة الثقل فيه تتقرّر في سورية وليس في مكان آخر.
– قراءة الجغرافيا السورية بين المحورين المتقابلين، تقول أولاً إن الحلف الذي يضمّ روسيا وسورية وإيران والمقاومة متماسك في تمسك أطرافه ببعضها في الجغرافيا، فلا يعرض أحد أو يقبل عرضاً ببيع الشريك، وتقول ثانياً إن المحور الذي يرتضي أطرافه أن تكون روسيا هي من ينطق بلسانه في مواجهة الحلف الذي تقوده أميركا، يحقّق التقدّم تلو التقدّم في الجغرافيا السورية براً وبحراً وجواً، منذ سنتين دون انقطاع، من تحرير حلب إلى دير الزور والبادية والغوطة وأرياف حمص وحماة، وصولاً إلى الجنوب حتى حدود الجولان المحتل، وإغلاق الأجواء السورية بشبكات الـ«أس 300»، وتعزيز قدرات البحرية السورية بالقدرات والصواريخ وزوارق التشويش الإلكتروني، وتقول ثالثاً إن المحور المقابل آخذ في التاقلم مع هذه التحولات رغم لغة الإنكار، من معبر القنيطرة إلى معبر نصيب، وما بينهما الاستعداد للانسحاب الأميركي من قاعدة التنف، وصولاً للصمت على الرسائل الصاروخية الإيرانية شرق الفرات.
– تشكل إدلب حلقة مفصلية في قراءة مستقبل الجغرافيا السورية والصراع حولها، ويحلّ غداً موعد الاستحقاق المقرّر في قمة سوتشي لنهاية المرحلة الأولى التي تنص على إخراج الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بعدما فشلت الرهانات على انقلاب تركيا على خيارها بالتعاون مع روسيا، والواضح أن المسار الذي بدأ في إدلب مع انشقاقات بين الجماعات المسلحة وصلت حد التقاتل بينها، بين مَن سيلتزم ومَن سيرفض، يضع الخيارات بين تطبيق سلمي صعب حد الاستحالة، وتطبيق بالقوة لتفاهمات سوتشي. والواضح أن التطبيق بالقوة الذي يتفوق على التطبيق السلمي، يعني التهيؤ لمعارك سيكون بموجبها دخول الجيش السوري مدعوماً من الطيران الروسي وبمشاركة الحلفاء خياراً أحادياً، يتم بقليل من الضجيج الدولي، بعد تفاهم سوتشي، وبقبول تركي على مضض، لكنه سيتم في النهاية، ليقول إن الجغرافيا تتكلم، وإن من يتقدم في الجغرافيا يقلب التوازنات، وإن المكان الذي يصلح لقياس توازنات القوة هو حيث تتكلم الجغرافيا، فكيف إذا كانت الجغرافيا الحاسمة التي تمثلها سورية.