حول خيار المساكنة بين المحورين
غالب قنديل
ليس توصيف المساكنة بين المحورين الذي استخدمته في مقالات عديدة من قبيل الإدانة الأخلاقية لمحور المقاومة او للزعم بأن هذا المحور يقبل المساكنة بينما هو قادر على الحسم في لبنان او العراق أوبالتالي على التخلص من جبرية المساكنة داخل السلطة السياسية العراقية واللبنانية مع قوى أخرى تابعة لمحور الهيمنة في المنطقة.
فالحقيقة أنني توخيت اعتماد المصطلح الذي يناسب حقيقة المشهد السياسي الداخلي في لبنان والعراق في سياق مواجهة ضارية يخوضها محور المقاومة مجتمعا ضد منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية على مستوى المنطقة.
منذ احتلال العراق وحرب تموز في لبنان وجد محور المقاومة نفسه في وضعية الدفاع الاستراتيجي لصد هجمات وغزوات متلاحقة تقودها الولايات المتحدة ضد حكومات مستقلة وذات سيادة او ضد حركات مقاومة تحررية ومن قلب تلك الوضعية الدفاعية كان قبول الإمبراطورية الأميركية ومنظومة الهيمنة التي تقودها في المنطقة بصياغة المساكنة مع المحور المناهض للهيمنة وقواه في لبنان والعراق نتيجة ما لحق بها من الهزائم على يد قوى التحرر والصمود بصورة أرغمت الولايات المتحدة على الاقتناع بعجزها عن تنصيب حكومات عميلة وتابعة وبالتالي اضطرارها تحت ضغط موازين القوى لقبول المساكنة مع المحور المضاد أي محور المقاومة.
احيانا يتناسى بعض المناصرين المتحمسين تلك الحقيقة عندما يطالبون محور المقاومة بإسقاط خيار المساكنة كليا رغم ان وجود نظام سياسي طائفي هندسه الانتداب الفرنسي في لبنان ونسخه الاحتلال الأميركي في العراق وهو يمثل عقبة لايستهان بها وركيزة جدية للنفوذ الاستعماري الرجعي داخل البلدين وينذر باستمرار بخطر تحول أي معركة سياسية او مواجهة ميدانية إلى فتنة طائفية يعول عليها محور الهيمنة إما لتصعيد التدخل المباشر او لعملية استنزاف وتآكل مدمرة تخرب القدرات والإمكانات والفرص المتاحة لقوى الاستقلال والتحرر.
إذا فالمساكنة يجب النظر إليها كثمرة لمعادلات أرغم محور الهيمنة على الرضوخ لها في حصيلة ما خاضه من حروب وغزوات وما دبره من فتن وما حشده من ادوات كانت اخطرها عصابات التكفير الإرهابي التي هددت العراق ولبنان وسورية واليمن ويمكن القول كذلك أن التكوين الطائفي للنظامين القائمين في لبنان والعراق حقق وظيفة نوعية في توفير حاضن اهلي لأدوات العدوان الاستعماري من العصابات الإرهابية التكفيرية التي اقتضى النجاح في محاصرتها وضربها جهودا جبارة كان من ضمنها تحويل توازن المساكنة الداخلي إلى آلية احتواء تسحب فتائل الفتن الطائفية والمذهبية وتوفر الكثير من الدماء والخسائر في البلدين.
الملاحظة المنهجية التي يمكن إيرادها حول تعامل محور المقاومة مع شروط المساكنة تتعلق بالتساهل في ترجمة صارمة للتوازنات في السلطة السياسية وضعف التصميم على انتزاع المواقع والأحجام التي تستحقها القوى والكتل المنتمية إلى المحور وهي عابرة للطوائف من حيث تكوينها ومواقعها.
إن ما ينبغي الالتفات إليه كذلك هو خطر النكوص عن تشكيل احلاف وطنية عابرة للتموضع الطائفي وانعكاس ذلك على الوعي الشعبي بحيث ينفرط عقد التحالفات العابرة موضوعيا للطوائف والمذاهب لصالح تعبيرات من المفردات الطائفية والمذهبية والمناطقية والعرقية كما يجري في العراق فالاستغراق في اللعبة الطائفية والمذهبية التي فرضتها المشيئة الاستعمارية على بلدان منطقتنا يعني التخلي عن احد أبرز مصادر القوة التعبوية والسياسية للقضية الوطنية والتحررية التي تمثل واحدة من اهم محفزات المبادرة الشعبية في التصدي لمنظومة الهيمنة وقواها وبذات المستوى ما يزال من عيوب الاستجابة للمساكنة غض النظر عن محاولات تأبيدها بمحتواها الطائفي الداخلي وغياب مشاريع جدية وهجومية لتخطي القواعد الطائفية لتكوين السلطة حتى في لبنان حيث تتيح بنود تسوية الطائف مثل هذا العمل فتقليص الطابع الطائفي لقواعد تكوين السلطة يعني كذلك تقليص مساحة النفوذ الاستعماري.
يأخذ البعض على حلف المقاومة ما يدعونه بالمبالغة في تحاشي خطر الفتنة الطائفية والمذهبية وهنا ينبغي الاعتراف لمحور المقاومة في لبنان بالذات انه بذل الكثير من التضحيات والجهود لبلورة وعي شعبي ضد الصدام الأهلي وهو ثقف الجمهور بضرورة الصبر على الاستفزاز وحول مبدأ تفويت الفرص إلى عنصر هام في الوعي الشعبي واستطاع ضرب عصابات التكفير ومحاصرتها بفضل وعي استثنائي واستعداد نوعي للتضحية وذلك كله ساهم في دحر غزوة التكفير في العراق ولبنان وسورية التي توافرت فيها دولة وطنية قدمت نموذجا استقلاليا لم تنجح محاولات إخضاعه للقواعد الطائفية بدافع اختراق حصانته الوطنية وإلحاق سورية بقواعد المساكنة الداخلية بين المحورين عبر فرض تسويات تتيح تكريس قاعدة نفوذ في البنى السياسية السورية للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي .