انتصر الصبر السوري
غالب قنديل
قدم منهج الرئيس بشار الأسد في التعامل مع الأحداث العاصفة التي تعيشها سورية منذ سنوات مثالا نادرا في الصبر الاستراتيجي ليس فقط على صعيد ادارة الصراع ضد حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل الذي بلغ عدد الحكومات التي ساهمت فيه ما تعدى مئة دولة اول الأمر بل إن الصبر السوري قدم امثولة في الحرص والتفهم على صعيد العلاقة مع الحلفاء وأبرز طريق الأسد في إدارة العلاقة بالحلفاء قدرة عالية على رسم نموذج خاص في الحكمة والاحتواء وإعلاء المصالح العليا المشتركة وهو ما تحصد ثماره سورية وانطلق ذلك كله بقدرة سورية عالية على تشخيص التناقض الرئيسي ورسم الأولويات في كل مرحلة من المسيرة الوطنية.
شكل اندلاع الحرب على سورية عام 2011 لغزا مربكا لأهم حلفاء سورية وشركائها في مناهضة الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم روسيا والصين وكذلك لشريكتها الوثيقة في محور المقاومة إيران واستغرق وقتا وصبرا طويلا وجهدا سوريا مكثفا مخاض اقتناع هؤلاء الحلفاء بوجهة النظر السورية عن كون ما يجري عدوانا استعماريا صهيونيا ضمن خطط الهيمنة على الشرق والعالم التي تحرك الحروب الأميركية المتنقلة بدافع نهب الثروات والسيطرة على الأسواق والموارد وطرق النقل البرية والبحرية التي تشكل سورية عقدة بارزة ونوعية في مساراتها منذ التاريخ القديم.
تدرجت حرارة التفاعل مع القراءة السورية وتطورت معها المواقف والمبادرات الداعمة للدولة الوطنية والقيادة السورية ويمكن القول إنه خلال عامي 2011 و2012 كانت الدولة الوطنية السورية تواجه وحيدة بقواتها المسلحة وبقدراتها منفردة حلف العدوان الذي أقام غرف العمليات في تركيا ومنصات العدوان في الرياض والدوحة وجند أكبر الإمبراطوريات الإعلامية الدولية والإقليمية في الحرب على سورية وكان الحلفاء الأقربون يختبرون وصفات عديدة وحسابات متباينة لاختبار فرص الاحتواء السياسي بما في ذلك الحوارات التي قادها حزب الله مع بعض المعارضين وقادة الأخوان المسلمين بحثا عن مخرج ممكن.
تفهمت سورية وصبرت حتى تبلورت قناعات راسخة لدى الحلفاء جميعا بان ما يستهدفها هو عدوان استعماري سيطالهم مباشرة إن استطاع تخطي القلعة السورية وتدميرها لأن الغاية هي تنفيذ انقلاب استراتيجي للتوازن الإقليمي والعالمي يقطع الطريق على جميع قوى الشرق الصاعدة وفي المقدمة إيران والصين وروسيا والتخلص من محور المقاومة مجتمعا.
تسارعت الأحداث الكاشفة و أثمر الصبر السوري بتبلور رؤية الحلفاء الكبار المطابقة للتشخيص السوري الذي أكدته الوقائع الساخنة لغزوة التكفير التي احتضنها المخططون الأميركيون وأمروا حكومات العدوان بدعمها وبتمويلها وحشدوا فيها عشرات آلاف الإرهابيين متعددي الجنسيات وكان التشبيك المتقن لقنوات المعلومات والحوار المتواصل مع الحلفاء بكل صبر وثقة هو الطريق الذي انضج خلال أشهر موقفا حازما من حزب الله تبعه الموقف الإيراني الذي تدرج خلال سنة من السياسة إلى الدعم الاقتصادي والميداني بينما نضج الموقفان الروسي والصيني بالفيتو المزدوج الذي سد سبل الغزو الأميركي تحت غطاء الأمم المتحدة في حين استغرق نضج المبادرة الروسية العسكرية زمنا اطول وحسابات أعقد وبالصبر وبطول النفس واكبت القيادة السورية مواقف الحلفاء وتحملت أعباء القتال دفاعا عن سورية ضد آلة عدوان وإرهاب تدعمها عشرات الحكومات العالمية والإقليمية بكل عدة الحرب اللازمة والمتطورة إعلاميا ولوجستيا وعسكريا وظهر الصبر السوري طريقا لإقناع الحلفاء بضرورة الانخراط في المواجهة وتقديم كل ما يلزم لدعم الصمود السوري اقتصاديا وعسكريا وتطور كل ذلك بثبات وهدوء.
مناسبة هذه المناقشة هي وصول صواريخ اس 300 وبدء تسليم منظومة القيادة والسيطرة بعد نضج شروط القرار الروسي المعلق من سنوات فالتفاوض السوري مع روسيا حول صفقة اس 300 للدفاع الجوي يعود إلى سنوات طويلة قبل الحرب وسبق ان حددت مواعيد التسليم ثم أجلت من موسكو بعد ضغوط مكثفة من واشنطن وعواصم الناتو ومن تل أبيب وقد تعامل الرئيس بشار الأسد بروحية التفهم والاحتواء الإيجابي مع الحليف الروسي مدركا انه حين تتبلور الظروف المواتية سيكون الاستحقاق الذي ترجوه سورية لحماية اجوائها وهو في الوقت عينه وبعدما تعرضت له قوات الدفاع الجوي من تخريب وتدمير بالقصف الصهيوني المتكرر وبهجمات عصابات داعش والقاعدة أصدر التعليمات لمهندسي وخبراء الجيش العربي السوري بإعادة بنائها وكانت النتيجة هي إسقاط طائرة صهيونية واعتراض صواريخ الناتو بنجاح.
الصبر على الحليف الروسي أثمر اخيرا ولم تظهر سورية أي موقف سلبي من تعليق تسليمها منظومات الدفاع الجوي طيلة سنوات لأنها تقدر أهمية التحالف مع روسيا وطبيعة المصالح المشتركة كما انها تقدر التضحيات التي قدمتها روسيا مؤخرا دعما لمسيرتها الوطنية ودفاعا عن امن شعبها وعن استقلالها الوطني وهي كانت على ثقة بتطور العلاقة السورية الروسية ولم تقصر في مدها بكل الحوافز والشراكات الضرورية اقتصاديا وسياسيا لتغدو شراكة استراتيجية … بكلمتين لقد انتصر الصبر السوري.