الصحف الورقية بين رفع العتب والمسؤولية: ناصر قنديل
– الصحف الورقية في أزمة، ليس الخبر جديداً ولا يخصّ لبنان وحده، ويسهل الحديث عن زمن التفوّق الذي يسجله الإعلام الإلكتروني، كما يسهل التحدث عن مسؤولية أصحاب الصحف وإداراتها وعجزها عن مواكبة التطور التقني وحاجات السوق، لكن هذا لا يحلّ مشكلة، ولا يغيّر في واقع. كما يسهل الحديث عن أزمات لا تقلّ خطورة تواجهها قطاعات اقتصادية تبحث عن تخفيف التكاليف وتطلب الدعم من الدولة، وتعتبر أنها أحق أو على الأقلّ لا تقلّ أحقية من الصحف بالدعم، لكن هذا ذر للرماد في العيون لرفع العتب والتهرّب من الجواب، والسؤال هو ببساطة، هل من وصفة يمكن للدولة المساهمة فيها بمواجهة أزمة الصحف الورقية؟ ولماذا؟ وكيف لا تقع على خط التصادم أو المفاضلة مع قطاعات أخرى؟
– بين كل القطاعات المأزومة، بما فيها الدولة نفسها، تشكل الصحافة اللبنانية رمزاً وطنياً حضارياً لا يمكن إنكار مكانته التاريخية التي منحت بيروت لقب عاصمة الصحافة العربية. وبين كلّ القطاعات المأزومة ومنها الدولة نفسها يرتبط بالخدمات الإعلامية التي تقدّمها الصحافة اللبنانية أغلب أداء الحياة السياسية والإعلامية، خصوصاً تلك التي تتوافر لها فرص العيش وفق قواعد اللعبة الاقتصادية، كما تشكل الصحافة اللبنانية العلامة الباقية على عزم الساسة أن يتقاتلوا بالكلمة، لا بالعودة إلى المتاريس، والمساحة المتاحة لتنمية أجيال جديدة من السياسيين والنخب السياسية، بمزج بعض من مياه العقلانية في نبيذ العصبيات، وتتشكل منها دون سواها، الرئة المحورية التي يستعملها الآخرون لتتنفّس بوجودها بصورة غير مباشرة، القطاعات الاقتصادية الكبرى صاحبة المصلحة بالسلم والأمن الاجتماعي والسياسي.
– كل هذه الميزات لا تمنح الصحافة المكتوبة الحق في تحميل موازنة الدولة مزيداً من الأعباء، وهي ترزح تحت ما يكفي منها، ما تدعو الصحافة لتخفيضه صبحاً ومساء، سواء بصيغة تخفيض أعباء أكلاف صدور الصحف، كالإعفاءات التي تقترحها مشاريع القوانين المعدّة من وزارة الإعلام وعدد من المسؤولين في القطاع الإعلامي ورؤساء تحرير عدد من الصحف، وهي إعفاءات فواتير الكهرباء والهاتف وتخفيضات أو إعفاءات مؤقتة في الضمان الاجتماعي، والتكليف الضريبي، سوف يستدعي إقرارها فتح الباب لمقارنات وحاجات مشابهة، من دون أن توفر حلاً بحجم الكارثة التي ستقع حكماً بإقرارها وبدون إقرارها، إلا للصحف التي تملك تمويلاً سياسياً كافياً لمواصلة الصدور، فتتخفف من بعض الأعباء وترتاح، لتواصل مسيرتها، وسط ركام المزيد من الصحف التي تقفل تباعاً.
– التفكير بحلّ جذري اقتصادي، لا يحمل الخزينة العامة، ويقدّم للصحف حلاً عملياً مقبولاً، يبدأ بنوع من التوأمة غير المكلفة بين الصحافة والقطاعات الكبرى الرابحة في الاقتصاد اللبناني، وبالتالي صاحبة المصلحة كما الصحافة بعقلنة الحياة السياسية وتثقيل قيمة الحياة الإعلامية. وهما مهمّتان تقوم بهما الصحافة وحدها في قلب المشهد الإعلامي الصاخب، ويستثمر عليهما الآخرون، والحفاظ على الصحافة كمنبر للسياسة المرتبطة بالعقل، علامة التزام مصلحي للاقتصاد بالحفاظ على قدر من السلم والاستقرار ولغة الكلام، بمثل ما هي فرصة إعلانية لا يمكن التغاضي عن فوائدها.
– التوجه لاستصدار تشريع يلزم الشركات التجارية والمالية بما فيها التي تملكها الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والتي تحقق أرباحاً سنوية مصرحاً عنها في موازناتها، تزيد عن المئة مليار ليرة، ما نسبته واحداً بالألف من هذه الأرباح، لنشر إعلانات في الصحف اللبنانية، والتخصيص لهذه الشركات يعني التوجه للشريحة التي تقف على ضفة الاستثمار الإيجابي للواقعين السياسي والاقتصادي في البلد، وليس رمي الثقل على المرهقين والمتعبين، أو تعميم توزيع العبء دون إنصاف. والشركات التي تحقق مئة مليار ليرة وما فوق سنوياً كأرباح عندما تخصص واحداً بالألف من أرباحها، لا تتحمّل عبئاً مرهقاً يصيب خريطتها المالية، والدولة وحدها تملك منها على سبيل المثال، مصرف لبنان وطيران الشرق الأوسط والكازينو وشركتي الهاتف الخلوي ومؤسسة الريجي. بينما في القطاع الخاص تتصدّر اللائحة المصارف الكبرى، ويشكل مجموع الأرباح المقدّرة لهذه الشريحة تحت هذا العنوان وفقاً للميزانيات المنشورة، للشركات والمصارف قرابة الخمسة مليارات دولار سنوياً، يشكل الواحد بالألف منها، خمسة ملايين دولار، يترك للشركات استعمالها في نشر إعلاناتها في الصحف، ضمن ضوابط لا تغيّر في قواعد الاقتصاد الحر، وتضمن توسيع قاعدة المستفيدين، مثل إلزامية النشر في ستة صحف يومية سياسية، وأن لا تقلّ حصة الصحيفة الواحدة عن 10 من الموازنة التي تنفقها الشركة، وأن تُودع نسخاً من فواتير النشر لدى وزارة الإعلام ونقابتي الصحافة والمحررين، فيكون عائد الصحيفة الواحدة بين ربع مليون دولار وثلاثة أرباع مليون دولار سنوياً، وهي شحنة أوكسجين تكفي وفقاً لتفاوت أحجام الأعباء في كلّ صحيفة بالبقاء على قيد الحياة.
– اقتراح قانون بمادة وحيدة، ضمن تشريع الضرورة، ينقذ الصحافة اللبنانية، مرفق للراغبين بالاطلاع:
– «المادة 101 عدّلت بموجب قانون منفذ بمرسوم 9798/1968
– على أعضاء مجلس الإدارة ان ينشروا كلّ عام في الجريدة الرسمية وفي صحيفة اقتصادية وصحيفة يومية محلية بعد شهرين من تاريخ موافقة الجمعية العمومية على الحسابات ميزانية السنة المالية المختتمة وقائمة بأسماء أعضاء مجلس الإدارة ومفوضي المراقبة.
– تعديل النص ليصبح:
– على أعضاء مجلس الإدارة ان ينشروا كلّ عام في الجريدة الرسمية وفي صحيفة اقتصادية وصحيفة يومية محلية بعد شهرين من تاريخ موافقة الجمعية العمومية على الحسابات ميزانية السنة المالية المختتمة وقائمة بأسماء أعضاء مجلس الإدارة ومفوضي المراقبة وتخصص الشركات على أنواعها بما فيها المؤسسات التجارية والمالية العامة أو شبه العامة والمملوكة كلياً أو جزئياً من الدولة أو ما يعادلها عندما تزيد أرباحها عن المئة المليار ليرة سنوياً نسبة واحد بالألف من هذه الأرباح لدعم الصحافة المطبوعة اللبنانية عبر توسيع نطاق نشر ميزانيتها المفصلة وأيّ مواد إعلانية تراها مناسبة على أن يتمّ النشر في كلّ مرة في ست صحف يومية وست مجلات أسبوعية سياسية أو غير سياسية لبنانية منتظمة الصدور، وألا تقلّ حصة الصحف اليومية عن ثلاثة أرباع الموازنة المخصّصة وألا تقلّ حصة الصحيفة الواحدة المعتمدة عن 10 من هذه الموازنة، وتودع الشركات المعنية نسخاً من كلّ مطبوعة تمّ النشر على صفحاتها مرفقة بنسخة من فواتير النشر لدى وزارة الإعلام التي ترسل نسخاً عنها لكلّ من نقابة الصحافة ونقابة المحررين».