الحرب بين “نصرالله الصادق” و”نتنياهو الكاذب”: ناصر قنديل
– بلغ التوازن الرادع الذي أنشأته المقاومة بوجه القدرة التدميرية التي يختزنها جيش الاحتلال، المرحلة التي تجعل من أي سجال يدور بين المقاومة والاحتلال حول السلاح بعيداً عن القيمة الأمنية التي يبنى عليها استنتاج يتصل بتعديل التوازنات، أو التأثير على خيارات الحرب وقرار المواجهة، ولذلك لا بد من التيقن بأن وظيفة الحملة التي نظمتها قيادات الاحتلال وصولاً لاستخدام عنوانها الرسمي الأول الذي يمثله رئيس الحكومة، ووظفت في خدمتها أعلى منبر دولي يمكن استعماله لتنظيم حملة كبرى هو منبر الأمم المتحدة، وأتبعتها بما وصفه الناطق بلسان جيش الاحتلال بصور الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخبارية الدقيقة، شيء آخر غير الحرب، وهو بالتحديد التمهيد لحملة شطب مكانة مطار بيروت عن الخريطة العالمية ما لم تتخذ الدولة اللبنانية الإجراءات المسماة بالمطمئنة لزوال الخطر، وملاقاة التحضيرات التي تتم أميركياً ويشترك فيها بعض اللبنانيين، لسقف أعلى هو تدويل المطار وما حوله، وسقف أدنى هو وضع اليد الأمنية والإدارية التي تستطيع واشنطن التأثير عليها، للتلاعب بوضع هذا المرفق الحيوي الذي يمثله المطار في مفهوم المؤسسات السيادية لأي دولة .
– مطار بيروت هو العنوان الذي تسعى إليه واشنطن، والحملة الإسرائيلية تخديم للخطة الأميركية، وغياب السفيرة الأميركية عن الدعوة التي وجّهها وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل للسفراء المعتمدين في لبنان، لم يكن مجرد تضامن مع «إسرائيل»، بل تهربٌ من الاعتراف ببطلان الحملة، وسقوط الهدف، وتسليم بنهاية المشروع. فالغياب هو التقاط للأنفاس مع تلقي ضربة موجعة لمشروع جوهري كان يشكل حتى الأمس بنظر واشنطن فرصة قابلة للتحقيق، وتسديدة لا تخيب في مرمى المقاومة، ولأن المقاومة ومعها وزارة الخارجية اللبنانية في حال الحذر من دخول اللعبة الإسرائيلية التي تريد تحويل رمي المعلومات في التداول، استدراجاً للكشف عن مواقع تقترب من أماكن عمل المقاومة، واستدراجاً للعبة الخوف التي يفترض أنها تفسر وحدها المسارعة لنفي التسريبات والمعلومات، بطريقة سرعان ما تتحوّل تطوّعاً مجانياً لتقديم الطمأنة لـ»إسرائيل» من كل ما تشعر أنه يقلقها، لذلك كان الإصرار على خوض المباراة لمرة واحدة أولى وأخيرة، وخوضها بشوط واحد أول وأخير، وجعل اللعبة برمية واحدة أولى وأخيرة، والعنوان هو استثمار الحجم المضخّم للحملة الإسرائيلية برموزها ومنصاتها، ليكون السقوط الإسرائيلي مدوّياً لمرة واحدة أولى وأخيرة.
– بقدر ما كانت الجولة الدبلوماسية رسالة دولية فاعلة، كان لها عنوان هو نتنياهو الكاذب، ليحضر تلقائياً عنوان المواجهة المقابل، وهو «نصرالله الصادق»، فليس خافياً مع تعطل فرص الحرب الفعلية حجم الاستثنائية التي تحتلها الحرب النفسية، حيث سجلت المقاومة وخصوصاً بشخص الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تفوقاً هائلاً في رسم معادلة عنوانها «نصرالله الصادق». وجاءت الفرصة لتسديدة واحدة في جولة واحدة من شوط واحد في لعبة واحدة، لتحقيق الهدف القاتل، «نتنياهو الكاذب»، من دون أن ينجح الناطق بلسان جيشه في تبرير الكذبة بالحديث عن ثلاثة أيام مرّت كما يفترض تحت المراقبة الجوية على مدار الساعة لطائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية، ليخرج علينا كما يفترض بصور ناقلات ضخمة مصوّرة وهي تُخرج ألف صاروخ بالستي، يزيد طول الواحد منها عن عشرة أمتار، تحدّث ومعلمه نتنياهو عن تخزينها، يفترص ترحيلها على الأقل ألف شاحنة من الحجم الثقيل اللافت للأنظار والقابل للرصد والتسجيل والتصوير، ربما الاستهداف، طالما أن اللحظة قد حانت، بينما أراد أفيخاي أدرعي منا تناسي أنه تحدّث عن بنى تحتية لتطوير الصواريخ، يفترض أن آثارها لا يمكن إزالتها، لا بثلاثة أيام ولا بثلاثة وثلاثين يوماً.
– التفاهة الاستخبارية والكذب السياسي صفتان حتميتان ستلاحقان «إسرائيل» نتيجة حملة وزير الخارجية جبران باسيل، فقد ثبت الكذب بالصورة، ومعه ثبتت التفاهة الاستخبارية، سواء تلك التي وضع رصيدها لتسويق الكذبة، أو تلك التي هدرت مع الدفاع عن الكذبة، فأين الاستخبارات الإسرائيلية التي راقبت لشهور متواصلة وتيقنت من وجود المستودعات واحتوائها على ألف صاروخ بالعدد وبناء آليات تطوير الصواريخ، وقد غابت لثلاثة أيام يُفترض أنها مستنفرة خلالها، لتصوير ومتابعة تفكيك الآليات وإخلاء الصواريخ، لا بل أين الملاحقة العسكرية الإسرائيلية التي تغامر بمخاطر حرب في سورية لضرب شحنة ربّما لا تتضمن إلا صاروخاً واحداً، وقد اختفت عندما أتيح لها ضرب ألف صاروخ عداً ونقداً، بعدما «تورّط لبنان الخائف» وقرّر تنظيم جولة براءته وأجبرت المقاومة على الاستجابة وقامت بالإخلاء، أليست هذه هي الصورة التي يريد أدرعي من العالم تخيّلها؟ ومن يريد إقناع العالم أن المقاومة نجحت بتمويه الإخلاء بغضون ثلاثة أيام وتعذّر على الاستخبارات الإسرائيلية وطائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية التقاط الصور لها وربما استهدافها، عليه أن يفتش عن طريقة تقنع العالم كيف تمكن على مدى شهور من مراقبة توضيع الصواريخ والتيقن من وجودها والقدرة على تحديد عددها؟
– ستحضر حكماً معادلة نتنياهو الكاذب، والمخابرات الإسرائيلية التافهة، ومقابلها «نصرالله الصادق» والمقاومة الجدية القادرة، والدبلوماسية الذكية والشجاعة لوزارة الخارجية ورأسها الوزير جبران باسيل، في تسديدة موفقة من ملعب العهد إلى رأس نتنياهو. والرأي العام الإسرائيلي بالمناسبة هو صاحب معادلة «نصرالله الصادق»، وكان ينقصه النصف الثاني من المعادلة التي أكملها باسيل، «نتنياهو الكاذب».