الموقف من خطاب نيويورك
غالب قنديل
أظهرت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في نيويورك قدرة عالية وشجاعة واضحة في الدفاع عن المبادئ والقضايا اللبنانية والعربية التي شكلت محور خياره السياسي قبل انتخابه وبعد قسمه الدستوري ورغم محاولات التبخيس والتقليل من أهمية الخطاب فإن المغتاظين يثيرهم وفاء الرئيس عون لفكرة الدفاع عن شرعية المقاومة والعلاقة بسورية ورفضه لأي شروط أو ضغوط اجنبية معرقلة لعودة النازحين السوريين إلى وطنهم إضافة إلى تفوق الخطاب على جميع الخطب العربية الرسمية في شرح مخاطر الطبيعة العنصرية لدولة العدو وأهمية حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وهو الحق المعرض لخطر التصفية من خلال ما يسمى بصفقة القرن التي تروجها الولايات المتحدة بالشراكة مع حكومات عربية معروفة مازالت تواظب بعناد على استهداف رئيس الجمهورية والعهد في وسائلها الإعلامية.
مما لاشك فيه ان ما يطغى على سطح السياسة اللبنانية هو سجالات ونزاعات يمكن إرجاعها ببساطة إلى منافسات التقاسم والحصص في النظام الطائفي ومنذ دخول التيار الوطني الحر شريكا في السلطة السياسية وهو هدف لهجمات وحملات كثيرة تناولته بسبب حجمه التمثيلي الكبير ومطالبته بحصة رئيسية في تركيبة الدولة ومؤسساتها وبالتالي فقد بات طرفا في الاستقطاب الذي حركته قضايا التعيينات والمشاريع التي تثير الاختلاف داخل الحكومات اللبنانية سواء نتيجة تباين الاجتهادات ام بفعل تضارب المصالح والمواقف.
رغم ما تقدم وهو سمة ملازمة لبنية النظام الطائفي وللعبة التقاسم القائمة داخل المؤسسات جرت صراعات وتجاذبات في قلب التنافس تتعلق بخيارات الدولة اللبنانية الإقليمية وهي تمحورت حول موضوعي المقاومة وسورية وعلى هذا الأساس كان التموضع الشهير بين تكتلي الرابع عشر والثامن من آذار منذ العام 2005 وقد كان موقف العماد ميشال عون الواضح والصلب من هذين المبدئين في جوهر موقف حزب الله وامينه العام السيد حسن نصرالله الداعم لانتخابه رئيسا للجمهورية وبنتيجته المعروفة.
يتموضع التيار الوطني الحر بعد الانتخابات النيابية في موقع أقرب إلى الوسط بين المعسكرين نفسيهما وهي الخريطة الفعلية لمجلس النواب رغم محاولة قوى الثامن آذار لاختبار فرص احتواء التشنج المذهبي الذي احاط بالانقسام السياسي لسنوات من خلال بعثرة قواها ومحاذرة الظهور كتكتل كبير ومتماسك كما كانت منذ انبثاقها وهو ما أضعف موقعها التفاوضي في تشكيل الحكومة في حين تخوض اطراف عديدة من صفوفها صراعات ضد التيار الوطني الحر بدوافع مختلفة في حمى التنافس السياسي ومعادلات التقاسم في السلطة السياسية للنظام الطائفي.
من وجهة مبدئية لا يجب ان يتوانى الوطنيون المختلفون مع الرئيس والعهد والتيار الوطني الحر على بعض العناوين والحساسيات المحلية عن اتخاذ موقف داعم للرئيس ولخياراته الواضحة والحازمة وطنيا والتي يعبر فيها عن مصلحة لبنانية رئيسية وهم ان تواكلوا في ذلك يقعون في فخ تغليب الثانوي على الرئيسي.
في الخلفية العميقة لمحركات استهداف رئيس الجمهورية مؤخرا مواقفه الوطنية الواضحة المتبنية لخيار المقاومة ولأولوية الصراع ضد العدو الصهيوني واحتضان قضية فلسطين وبالذات حق العودة والعلاقة الجيدة بالشقيقة سورية وهذه التوجهات بصريح العبارة تتحدث عن نفسها وتفضح هوية الاعتراض الفعلي على نهج العماد ميشال عون فالمتضرر من مواقف العماد عون ونهجه كرئيس للجمهورية هو العدو الصهيوني والولايات المتحدة وحكومات الدول العربية التابعة المتورطة في المؤامرة على سورية وفي خطة تصفية حق العودة وترويج مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين وهذه الأطراف هي نفسها صاحبة المصلحة في تعطيل عملية تشكيل الحكومة اللبنانية بتوازن يحصن توجهات رئيس الجمهورية ويحولها إلى سياسة لبنانية رسمية فالفراغ يفسح المجال لعرقلة عودة النازحين السوريين ولتعطيل فاعلية الموقف اللبناني الهجومي الرافض للتوطين.
نخشى كثيرا ان تغلب الضغائن بعض المختلفين مع العهد فتعميهم عن قيمة مواقف رئيس الجمهورية الذي تحدث بلسانهم وهم بذلك يقعون في فخ تغليب ضغط التعصب السياسي المحلي على حساب المبادئ الوطنية التي يلتزمون بها كتبني المقاومة خيارا ومبدأ التحالف مع سورية ودعم صمودها ومقاومتها في وجه العدوان الاستعماري والتمسك بحق العودة للشعب الفلسطيني الشقيق وأي وطني حقيقي لو تمعن في الأمر سيجد نفسه متعاطفا مع كل ما قاله الرئيس ميشال عون في الأمم المتحدة باسم لبنان في هذه المواضيع بصفته رئيسا للجمهورية اللبنانية.
صحيح إن من الطبيعي بروز انتقاد للعهد في وجوه الأداء او بعض المواقف والمناكفات التي يركز عليها البعض وذلك حقهم ولكن على الجميع ان ينتبهوا جيدا لئلا تسخرهم المشيئة الخارجية من دون درايتهم وباستغلال النكايات اللبنانية في تنفيذ انتقام اميركي صهيوني من الرئيس الذي وصفه قائد المقاومة السيد نصرالله بالجبل وهو يثبت مجددا أنه كذلك.