المخطط الاستعماري ضد إيران
غالب قنديل
يتضح من مسار الأحداث ان التصاعد سوف يستمر في وتيرة الضغوط التي تستهدف الجمهورية الإسلامية في إيران على اكثر من صعيد بهدف استنزافها اقتصاديا وماليا وامنيا وسياسيا بينما تعلن إدارة دونالد ترامب هدفها جهارا من خلال مطالبة القيادة ايرانية بما يدعوه المخططون الأميركيون “تعديل السلوك” وهم يقصدون بالذات موقف إيران المناهض للهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة ومساندتها لكل من المقاومة في لبنان وفلسطين وشراكتها الوثيقة مع الحكومة السورية ذات النهج التحرري المقاوم.
تتخطى ازمة العلاقات الأميركية الإيرانية مسألة مصير الاتفاق النووي بعد انسحاب الرئيس الأميركي المعلن من هذه المعاهدة الدولية والعودة إلى فرض عقوبات اميركية على الاقتصاد الإيراني هي في الواقع موازية لعقوبات لا تقل شراسة فرضتها الإدارة ضد روسيا والصين وطاولت بهذا السلوك حلفاءها عبر الأطلسي في اوروبا وبالتالي فالتناقض الأميركي الإيراني هو انعكاس للغطرسة الأميركية التي يشكو منها أكثر من بلد في العالم وهو يعكس نفورا أميركيا وعدائية كريهة في مجابهة حرارة الالتزام الإيراني بطريق الحرية والاستقلال والتحرر من الهيمنة.
لقد انكشفت حملة الأكاذيب الأميركية عن قنبلة إيران النووية المزعومة من خلال وثائق وتقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية قبل الاتفاق النووي وبعده وسقطت الذرائع المرتبطة بهذا الملف وهي من اخطر فضائح السياسة العالمية في القرن الواحد والعشرين وبينما تفرض الغطرسة الاستعمارية الأميركية تعتيما شاملا على مثل هذه المواضيع بتواطؤ من الإعلام الغربي والخاضع للهيمنة في العالم الثالث وخصوصا في المنطقة العربية والعالم الإسلامي وفي ظل قصور الإعلام المتحرر من الهيمنة عن تدفيع المستعمر الأميركي كلفة الخداع والكذب وانعدام المصداقية كما تبرهن الأحداث المتعاقبة.
إن محاور استهداف إيران الظاهرة سياسيا واقتصاديا وامنيا تشير إلى رهان الحلف الاستعماري الرجعي الذي تقوده الولايات المتحدة على عملية استنزاف متعددة الوجوه غايتها المركزية هي النيل من إرادة الاستقلال الإيرانية والسعي لإضعافها في ظل تعذر إخضاعها ومن الواضح ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يلوح بخيار تفاوض جديد بدافع الابتزاز بناء على الواقع الذي انشأه الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي ومع إحياء وتفعيل العقوبات المالية والاقتصادية الأميركية ضد إيران وضد الشركات والدول الغربية التي تقيم شراكات واتفاقات مع إيران وقد برهنت التجربة منذ انسحاب ترامب من الاتفاق على هشاشة الموقف الأوروبي الذي لم يتخط حدود الخطب السياسية الفارغة التي لم تترجم إلى أفعال وخطوات عملية والسبب يعود إلى ارتباط النخب الحاكمة في اوروبا بالهيمنة الأميركية وعدم امتلاك تلك النخب لإرادة مستقلة سياسيا بل إن بعضها ينصاع للمشيئة الأميركية متكبدا خسائر جسيمة ويفوت فرصا ثمينة برضوخه للقطيعة مع إيران تحت التهديد الأميركي ويتحمل إهانات مشينة لأي كرامة قومية.
وهذا ما تواجهه إيران بالشراكة مع الصين وروسيا من خلال منظومة الحوافز وعبر إبقاء الفرص والخطوط مفتوحة مع الدول الأوروبية لصالح خيار الشراكة الدولية المناهض للإملاءات الأميركية وعبر تحويل الانسحاب الأميركي من معاهدة الاتفاق النووي إلى فرصة ومن الواضح حجم اتفاق إيران وشركائها الروس والصينيين على اعتماد سلوك احتواء متكامل هادئ وتدريجي لشبكة المصالح والمواقف الأوروبية وهذا امر تشير الوقائع إلى انه لن يسير بالسرعة المرجوة نتيجة رسوخ الهيمنة الأميركية العابرة للأطلسي امنيا وسياسيا وماليا.
من الواضح ان محاولات حثيثة تبذلها الولايات المتحدة والحكومات الإقليمية التابعة للهيمنة تهدف إلى اختبار فرص اختراق النسيج الشعبي الإيراني بمعاودة استثارة القضايا العرقية والمذهبية التي اشتغلت على استغلالها منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية وهذا ما يتطلب الجمع بين العمل السياسي والإعلامي والردع الأمني والتفكيك الاستباقي لشبكات العملاء والإرهابيين التكفيريين التي يشغلها ذات الفريق الإقليمي الذي تورط في العدوان على سورية وتلقى هزيمة صادمة كانت لإيران فيها مساهمات كبيرة انطلاقا من مبدأ وحدة المعركة ضد الخطط الاستعمارية في الشرق وهو ما أثبت صحته عمليا.
يتركز رهان المخططين الأميركيين على زعزعة إيران من الداخل إلى النتائج التي قد تؤدي إليها العقوبات الاقتصادية والمصرفية التصاعدية التي تبلغ ذروتها قريبا وفق خطب التهديد الأميركية وحسب ما تردده الأبواق العربية لهذا المخطط مما يستدعي خططا إيرانية ترتكز على تنمية القدرات الوطنية وتوسيع الشراكات الإقليمية والدولية المتاحة تواكبها حملة تعبوية شعبية شاملة لخوض معركة الدفاع المتجدد عن الخيار الاستقلالي التحرري الذي حمى إيران خلال العقود الماضية فهي مواجهة جديدة لن تكون في الحصيلة إلا كسابقاتها منطلقا لانتصارات وإنجازات إيرانية تستحق استنهاضا لجميع القدرات والإمكانات في المعارك الاقتصادية والسياسية والأمنية والإعلامية وينبغي التصرف على أساس ان الصراع للتحرر من الهيمنة مستمر ومتواصل ما بقيت الغطرسة وما استمرت منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة.