روحاني ـ ترامب: فوز بالنقاط: ناصر قنديل
– أربعة عناوين شكلت محور حركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ الانسحاب الأميركي من التفاهم حول الملف النووي الإيراني. العنوان الأول كان التركيز على الدعوة للتفاوض حول صيغة جديدة للتفاهم على الملف النووي، والبرنامج الصاروخي الإيراني، ودور إيران الإقليمي. والعنوان الثاني كان السعي لحشد دولي إقليمي تحت عنوان اتهام إيران برعاية الإرهاب تطلعاً لعزلها وتهديدها باللجوء للقوة، والعنوان الثالث تمثل باللجوء إلى أشد أنظمة العقوبات قسوة تحت شعار فرض معادلة صفر على النفط الإيراني المصدر للخارج. أما العنوان الرابع فكان تشكيل ثنائية خليجية إسرائيلية تستند إليها أميركا لمحاصرة إيران وحلفائها في المنطقة لإجبارها على التفاوض وفقاً لبنود دفتر الشروط الأميركي .
– جاءت كلمتا الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة مناسبة لفحص المواجهة الإيرانية الأميركية السياسية والدبلوماسية، وشروط تشكل موازين القوى واتجاهها، بعد مضي شهور على بدء التصعيد الأميركي منذ الانسحاب من التفاهم على الملف النووي، حيث كانت كل من الكلمتين تعبيراً عن درجة الثقة التي يعبر من خلالها كل من الرئيسين بالأمل بتحقيق رؤيته في قلب هذا الصراع المحوري في المنطقة والعالم.
– في العنوان الأول كان الرئيس الأميركي محبطاً بسبب رفض الرئيس روحاني تلبية دعوته للقاء الذي اشتغل عليها الأميركيون علناً وسراً ووسطوا لها كل حلفائهم، لكنه لم ينجح بتظهير إيران كدولة رافضة للغة الحوار، حيث كانت كلمة الرئيس روحاني شديدة القوة بحججها، تحت عنوان تثبيت معايير القانون الدولي، واعتبار التفاوض وفقاً للشروط الأميركية استجابة للدعوة لانتهاك القانون الدولي، فهناك قرار صادر عن مجلس الأمن يظلل التفاهم النووي والعودة إلى إطاره وحدها تشكل أساس العودة للحوار، ومن دون هذه العودة تشكل العودة تكريساً لمعادلة منح أي دولة حق فرض انتهاك القانون الدولي بالقوة ونيلها فرصة الحصول على براءة ذمة، وفوقها مكافأة. وإيران ليست العنوان الصالح لتكريس هذه السابقة الخطيرة. كيف وأن واشنطن تهدد دول العالم بالعقوبات إذا طبقت القرار الأممي الخاص برفع هذه العقوبات، أما عن النشاط النووي الإيراني بذاته، فالمرجع ليس ما تقوله اي دولة سواء كانت أميركا أو سواها، بل ما تقوله الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما يقوله الشركاء الدوليون في اتفاق الخمسة زائداً واحداً، وكل مواقفهم وتقاريرهم تنقض المزاعم الأميركية. وإيران لن تفاوض متسلطاً ومتعجرفاً يضرب بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين، ويهدد المحاكم الدولية بالعقوبات، فقط لأنه قوي، بل ستقبل التحدي وتذهب في صمودها بما يتناسب مع تاريخها العظيم.
– في العنوان الثاني كانت العملية الإرهابية التي استهدفت إيران فرصة لجعل المعركة حول من يدعم الإرهاب فعلا ومن هم ضحاياه، لتمنح الرئيس الإيراني التفوق الأول على الرئيس الأميركي في هذه النقطة، ومعلوم التورط الأميركي في استهداف إيران، كما تورط حلفائها الخليجيين، والدماء لا تزال ساخنة. وبالمقابل منحت المواجهة مع الإرهاب في سورية والعراق التي شكلت إيران ركناً رئيسياً في انتصاراتها، مقابل التورط الأميركي مع الجماعات الإرهابية في الدولتين، ليظهر الرئيس الإيراني رابحاً والرئيس الأميركي متلعثماً، فلم ينل الكلام عن الحرب على الإرهاب من خطابه أي جملة مفيدة، بينما كانت لملف مكافحة الإرهاب والحرب على الإرهاب فقرات ذات مصداقية في خطاب الرئيس الإيراني.
– في العنوان الثالث، تحدّث الرئيس الأميركي بلغة ضعيفة عن السعي مع عدد من الدول التي تتاجر مع إيران بالنفط لإعادة النظر في موقفها، كتسليم بسقوط نظرية منع إيران من بيع نفطها وصولاً للمعادلة الصفرية، بينما إيران تضع على المنبر الأممي الأهم معادلة روحاني، الالتزام بالالتزام، والتعهدات بالتعهدات، والتهديد بالتهديد، في إشارة بالغة للاستعداد الإيراني للخروج من التفاهم النووي والعودة للتخصيب المرتفع من جهة، وللذهاب في مواجهة التهديد بالحصار النفطي بإغلاق مضيق هرمز من جهة موازية.
– في العنوان الرابع لم يكن الرئيس الإيراني بحاجة للتحدث كثيراً عن الارتباك الأميركي في ظل فشل الحرب على اليمن في جولاتها المتكررة، خصوصاً معارك الحديدة وحال الخليج المربك في اليمن، إلا من زاوية الدعوة لوقف الجرائم التي يرتكبها العدوان بحق اليمن، كما لم يكن بحاجة للتذكير بالارتباك الأميركي في ظل المأزق الإسرائيلي في سورية بعد تدهور العلاقة الروسية الإسرائيلية وما رافقها من تطورات لا تفرح الأميركي ولا الإسرائيلي وتخلق واقعاً جديداً مؤلماً لكليهما، إلا من زاوية التذكير بحقوق الشعب الفلسطيني والقرارات العدائية الأميركية الإسرائيلية، خصوصاً ما يخصّ القدس وقضية اللاجئين، ولا تفيد كلمات ترامب عن تحالف إقليمي طالما أركان حلفه الإقليمي مربكة ومهزوزة القدرات والمكانة، وغارقة في أزماتها، والمشهد من العراق إلى اليمن وسورية يقول مَن الذي يربح ومَن الذي يخسر في المنطقة، حلفاء إيران ام حلفاء أميركا.
– جولة مواجهة سياسية ودبلوماسية ربحها الرئيس الإيراني بالنقاط.