نهج الأسد وقوة سورية
غالب قنديل
شكل القرار الروسي بتسليم منظومة اس 300 للدفاع الجوي إلى الجيش العربي السوري بعد تجميدها لثلاث سنوات مضت استجابة لضغوط اميركية صهيونية خبرا سعيدا لأنصار خيار المقاومة وللشعب العربي السوري وقواته المسلحة.
ما يلفت الانتباه ان الرئيس فلاديمير بوتين الذي زف القرار إلى صديقه الرئيس بشار الأسد اتخذ قراره في سياق الرد على الغطرسة الصهيونية التي عرضت روسيا لإهانة فادحة في سماء اللاذقية وانهى السنوات الثلاث لتعليق تسليم الصواريخ الضرورية لحماية الأجواء السورية التي شهدت ما يزيد على مئتي غارة صهيونية كانت تشهد تطورا مطردا في العلاقات الثنائية السورية الروسية دون ان تصدر كلمة سورية اعتراضية في العلن.
جرى كل ذلك بالتوازي مع مواصلة الجهد السوري الخاص لتطوير منظومات الدفاع الجوي القديمة وكبح العربدة الصهيونية سواء من خلال تكييف المنظومات السوفيتية وتطويرها تقنيا على يد الضباط والمهندسين السوريين او عبر اتفاقات التعاون الدفاعي التي وقعت مؤخرا مع الشقيق الإيراني وكانت نظريا مستحقة أيضا قبل سنوات ويبدو ان لتاخيرها علة تتصل بحسابات إيران التي لم تبخل على سورية في توفير مستلزمات معركتها اقتصاديا وعسكريا وبذلت خيرة ضباطها وجنودها الدماء كالحليف الروسي في شراكة الصمود والدفاع عن سورية.
قدمت سورية نموذجا للصبر وللحرص على الشركاء والأصدقاء ومنح الفرص لمراجعة الحسابات بانكشاف الوقائع التي تؤكد وجهة نظر سورية التي عرضت مرارا في كواليس الاجتماعات فقط.
صاغ الرئيس بشار الأسد نموذجا نادرا من الهدوء والثبات والقدرة على إدارة الصراع في اعقد الظروف وفقا لإجماع خصومه قبل الأصدقاء بعد كل ما مر به في السنوات العاصفة التي تجتازها سورية والمنطقة منذ انتخابه عام 2000 فهي سنوات الحروب المستمرة على سورية ومن حولها.
يتميز نهج الأسد بالصبر وبرودة الأعصاب والثقة بالقدرة على التحكم بالمتغيرات وتحقيق المزيد من تحصين القلعة السورية المقاومة دفاعا عن خيار التحرر والاستقلال في وجه منظومة الهيمنة الاستعمارية وكذلك الصبر على الحلفاء في تنضيج خياراتهم وفهم الخصوصية في إدارة كل من العلاقات التحالفية والاحتفاظ بقدرة عالية يحسد عليها بينما يعمل كل ما يستطيع لتطوير القدرات الوطنية السورية ولتفعيل عناصر الجاذبية السورية التي تجمع الحلفاء والشركاء من حول سورية وتجعل دعمهم لها وشراكتهم معها استثمارا ضروريا في عناصر القوة التي تحصن مكانتهم وتحقق مصالحهم الحيوية ولذلك ضاعف الحلفاء شراكتهم في الدفاع عن سورية واكتشفوا الفوائد الكبرى لعملهم معا في الميدان السوري الذي ساعدهم فيه الأشقاء السوريون على هضم تبايناتهم وموالفة قراراتهم وتوجهاتهم باختبارات سورية لقدرتهم على الشراكة والعمل معا باحترام خصوصية كل منهم.
لايختلف اثنان في العالم والمنطقة على أن إرادة الصمود السورية استندت بقوة إلى فاعلية التحالفات التي اعتمد عليها الرئيس بشار الأسد لتعزيز قراره بالصمود وبالعمل على تحرير سورية من عصابات الإرهاب وتطوير قدراتها على التصدي للعدوان الصهيوني وراكم عبرها عناصر قوة متجددة لبلاده في وجه حلف العدوان الذي حشد عشرات الحكومات الكبيرة والصغيرة بقدراتها العسكرية والأمنية والمالية لتدمير سورية بقيادة الولايات المتحدة.
إنه الفهم العلمي للشراكات والتناقضات وللمصالح وهو سر قدرة الرئيس بشار الأسد على إدارة مصالح سورية ودورها في منظومتين مختلفتين ومتمايزتين من التحالف والشراكة وهما محور مكافحة الإرهاب ومناهضة الهيمنة الأميركية الأحادية في العالم الذي تقوده روسيا ومعها الصين والهند وسائر اعضاء البريكس وشانغهاي وحشد كبير من الدول في العالم ومحور المقاومة الذي تمثل سورية قلبه ويضمها مع إيران منذ ما يزيد على ثلاثين عاما مع حركات المقاومة العربية.
بل إن ما يجب تأكيده اليوم هو أن نظرة الأسد الثاقبة والحكيمة للتحالفات والشراكات قامت على احترام الخصوصية واحتراف الموالفة بصورة مبدئية تعزز ما يمكن ان تحصده من قوة ومناعة وقدرات مضافة لسورية التي تعايشت بنفس طويل مع مظاهر التنسيق الروسي الصهيوني خلال السنوات الماضية وكانت تبرز للحليف الروسي مظاهر العدوانية الصهيونية ومضار مراعاة شروطها واعتراضاتها التي عطلت تسليم منظومة اس 300 الروسية بينما كانت دمشق تعمل دون كلل لترسيخ الشراكات الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع الحليف الروسي ولم تلق بالا لجميع محاولات التشويش والتخريب ولا للمزايدات الفارغة والجوفاء من الداخل والخارج بل إن هذا النضج السوري ساهم في التقريب والتفاهم بين روسيا وإيران حليفي سورية في مناهضة الهيمنة ومقاتلة الإرهاب مع فارق الشراكة الإيرانية في التزام أولوية الصراع ضد العدو الصهيوني.