نصرالله والمعادلات الجديدة
ناصر قنديل
– مفتاحان رئيسيان يتيحان وحدهما قراءة وفهم كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ليلة العاشر من محرم، والرسائل التي أراد توجيهها، بين التصريح والتلميح، لتقع في مكانها الصحيح، الأول هو دعوته المراقبين والكتاب والباحثين إلى ملاحظة معنى نهوض حركة أممية حسينية عابرة للقارات واللغات والقوميات، تتخذ من إحياء مراسم عاشوراء منصة جامعة لها، وصارت حالة ثقافية عالمية متجددة المعاني لمشروع مقاومة ملتزم برفض الفتنة الطائفية والمذهبية، ورافض مشروع الهيمنة الأميركية، ويتخذ القدس هدفاً جامعاً، ويرى في انتصارات المقاومة أملاً وتكريساً للنهج الحسيني بلغته المعاصرة، أما المفتاح الثاني فهو وضع دور حزب الله ومقاومته في قلب قوس أزمات المنطقة كفاعل حاسم غير قابل للكسر والتطويع والتحييد، تحت عنوان مواجهة المشروع الأميركي وإسقاط العدوانية الإسرائيلية، واعتبار هذين الركنين في تحديد دور الحزب والمقاومة أصلاً في فهم نظرته للشؤون الإقليمية واللبنانية، وتفسيراً لدوره في ساحات المواجهة على مساحة المنطقة .
– هذان المفتاحان يلزمان مَن يقرأ أبعادهما في خطاب السيد نصرالله، أن يتقبل فكرة اعتبار مشروع المقاومة في طور الصعود الذي يبلغ مراحل متقدمة من إقليميته ويريد ترصيد مكاسبها وصيانتها، وفي طور التأسيس لعالميته وتثبيت مفاهيمها وأبعادها، من الثقافة إلى السياسة أسوة بما حدث في لبنان قبل أكثر من ثلاثين عاماً عندما تحوّلت ساحات عاشوراء إلى قواعد انطلاق للمقاومة. وهذا يعني أن كل مَن يفهم من جزئيات منفصلة في الخطاب دعوات التهدئة ليبني عليها استنتاجاً خاطئاً بأن تلك استجابة لتأثيرات الضغوط سيقع في الاشتباه والوهم. فالتهدئة في ساحات لا تخدم المواجهة فيها مشروع المقاومة ناتجة عن كون المقاومة لا تريد التلهي بالمواجهات الجانبية، لأن لديها الكثير لتفعله في الساحات التي تشكل ميدان ما رسمته لنفسها للمرحلة المقبلة.
– يضع السيد نصرالله إطاراً جامعاً لعدد من فقرات خطابه حول أوضاع المنطقة عنوانها ترصيد أرباح الانتصارات من سورية بتثبيت نهاية الحرب وتكريس نصر الدولة السورية برئيسها وجيشها، إلى العراق وتثبيت بنية سياسية ودستورية تقطع الطريق على أعداء مشروع المقاومة، إلى الصمود في اليمن حتى ينتزع مشروع المقاومة حق الشراكة ويكسر العنجهية السعودية المرتكزة على التشجيع الأميركي، وصولاً إلى فلسطين حيث الاستثمار على عائدات المشروع الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية، في تنمية مشروع المقاومة وتوحيد المواقف الفلسطينية تحت عنوانه العريض القائم على لا جدوى خيار التفاوض وسقوط مشروع التسوية.
– المهمة الراهنة المفصلية في مشروع المقاومة تبدو لبنانياً وإقليمياً ودولياً، وفقاً لخطاب السيد نصرالله، هي تدمير أسطورة سلاح الجو الإسرائيلي، بصفته آخر بقايا مصادر الأوهام التي تتسبّب بالعدوانية الإسرائيلية والغطرسة الأميركية والتحاق بعض العرب بهما، ومشروع المقاومة الذي فاز بتدمير قدرة الاحتلال وفرض عليه الانسحاب، فاز بتدمير أسطورة سلاح البحر وسلاح المدرعات وسلاح نخب المشاة في حرب تموز 2006، وفاز بتدمير صورة جهازَيْ المخابرات الأميركية والإسرائيلية وحلفائهما الإقليميين والدوليين في حربي سورية والعراق بوجه التنظيمات المستولدة من رحم الفكر الوهابي، وبقي تدمير صورة سلاح الجو ممراً إلزامياً لجعل لبنان آمناً بوجه مخاطر العدوان، ومهمة راهنة لإنهاء الوضع الذي قال إنه لا يُطاق ولا يُحتمل في الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية، وما يجب أن يفعله محور المقاومة في مواجهتها. وهذه المهمة بضرب صورة التفوّق الجوي الإسرائيلي تبدو مفصلية في خطاب السيد حول مشروع المقاومة المترابط ثقافياً ووجدانياً بالمسيرة الحسينية عالمياً، حيث البوصلة كانت وستبقى فلسطين والقدس.