نصرالله : تم الأمر
غالب قنديل
أدخل قائد المقاومة السيد حسن نصرالله فن صياغة المعادلات إلى إدارة الصراع ضد العدو الصهيوني وهو برع في اختصار الوقائع المعقدة والمتشابكة ببضعة حروف وبعبارات مختصرة تكثف عناصر القوة ودخل بذلك تاريخ رواد الحرب النفسية الحديثة التي تخاطب جمهور العدو بالوقائع العنيدة الصادمة التي لا تلبث الأحداث اللاحقة ان تثبت صحتها كما تعزز ثقة جمهور المقاومة بقوتها وجدارتها.
ذلك بعض ما أكسب هذا القائد العربي مصداقية عالية داخل الكيان الصهيوني وفي صفوف شعبه العربي وجميع محبيه وسائر مناصري المقاومة وحركات التحرر في العالم وهنا تظهر فاعلية مصداقية مضمون الخطاب التي هي مصدر سحر الخطيب إضافة إلى الجاذبية الشخصية لجهة الحضور القوي وسلاسة الأسلوب والطباع البسيطة والصفات الإنسانية التي تنتزع الاحترام والتفاعل الودي مع الرأي العام على قاعدة ارتباط الخطاب بفعل تغييري كبير ونوعي وفي سياق مراكمة انتصارات وإنجازات.
خطابات السيد نصرالله ومعادلاته ينطبق عليها جواب خطيب الثورة الفرنسية ميرابو على من سألوه عن سر سطوع نجمه كخطيب حين قال “إن الفضل الرئيسي يعود إلى إيمان الناس بأنني صادق في ما أقوله وبعد ذلك تأتي فاعلية اللغة والنبرة والأسلوب” أي تقنيات الخطابة التي تطورت كثيرا في تجربة امين عام حزب الله وهي باتت مدرسة في الخطابة السياسية والفكرية والدينية تعتمد السهل الممتنع في إيصال الفكرة وبلورة الموقف لدرجة القدرة على عرض أعوص القضايا والطروحات الفلسفية والاستراتيجية بعبارات بسيطة ومباشرة يفهمها الجمهور العادي ويستجيب لها ويتفاعل معها.
في يومي التاسع والعاشر طور قائد المقاومة معادلة الصراع التي يصوغها ويفرضها عل العدو الصهيوني منذ ما يزيد على ربع قرن وهو أعلن بكل وضوح عن هدفين الأول أنجز والثاني أطلق السيد التزام محور المقاومة بتحقيقه فقد اكد نصر الله امتلاك المقاومة للأجيال الحديثة من الصواريخ الدقيقة مختصرا بعبارة ” تم الأمر” وهو الأمر الذي تحرك العدو لمحاولة منعه بصورة هستيرية فشن عشرات الغارات على مراكز الأبحاث والتطوير العلمية والصناعية في سورية وعلى مستودعات مزعومة في مطار دمشق وعلى ما اعتبرته التقارير الصهيونية قوافل تنقل صواريخ وتجهيزات تقنية من سورية إلى حزب الله.
بكلمتين أعلن نصرالله ان المقاومة باتت تمتلك الصواريخ الدقيقة وترجم التحول إلى صياغة واقعية للنتائج التي يرتبها ذلك في مجابهة أي عدوان صهيوني محتمل بقدرة المقاومة على قصف أي نقطة تريد ضربها لتصيب مقتلا في كيان العدو على امتداد فلسطين المحتلة.
فامتلاك الصواريخ الدقيقة يعني ان بمستطاع المقاومة حين تشاء تدمير جميع الأهداف النووية والكيماوية والجرثومية والمنشآت الصناعية ومحطات الكهرباء ومنصات استخراج النفط والمخازن والموانئ التي سبق ان أشار إليها سماحة السيد في خطابات متعددة حول كيفية الرد على أي عدوان محتمل كأهداف محتملة تعني إصابتها كارثة كبرى للعدو الذي يعرف قادته ان لدى المقاومة مسحا كاملا لتلك الأهداف ولإحداثياتها النارية من خلال ما يقوم بها سلاح الطيران المسير في اجواء فلسطين المحتلة وهو ما لم يعد سرا بل إن بعضا من تشكيلاته القديمة معروضة في متحف مليتا الحربي.
الهدف الثاني الذي تعهد السيد نصرالله بانطلاق العمل لتحقيقه باسم المحور مجتمعا هو صد العربدة الجوية للعدو الصهيوني في سماء لبنان وسورية بعد تكرار الغارات الجوية المعادية وقد أعلن عزم المقاومة ومحورها على منع هذه العربدة العدوانية مما يفتح أبواب التكهن حول ما سيفعله المحور في سورية ولبنان لحظر طيران العدو الصهيوني وردعه أيا كانت وسائل العدوان التي يلجأ إليها خصوصا وقد تكررت مؤخرا عمليات القصف الجوي لأهداف ومواقع داخل سورية من الأجواء اللبنانية.
طبعا سيمثل أي إنجاز من هذا النوع تغييرا في قواعد الصراع وفي موازين القوى وهو يحرر لبنان من اخطر نتائج الوصاية الأميركية الفرنسية السعودية التي تمنع امتلاك الجيش اللبناني لوسائل الدفاع الجوي الرادعة للاستباحة الصهيونية المشينة رغم الإمكانات والهبات المتاحة التي يحرم على الحكومات اللبنانية التباحث بشأنها مع روسيا او الصين او إيران بعد رفض فرنسا والولايات المتحدة تزويد لبنان بكل ما يمس بقدرة إسرائيل على مواصلة اعتداءاتها الجوية وانتهاكها المتواصل للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن.
ترك سماحة السيد الأمر لغزا سيقلق العدو على جري عادته في مثل هذه الأحوال ولسان حاله دائما فليقلبوا الاحتمالات والسيناريوهات بينما نحن نسعى لإنجاز الغاية المطلوبة لحماية السيادة اللبنانية والسورية بالوسائل الممكنة وربما يأتي الإعلان بمفاجأة مدوية لا يمكن التنبؤ بمكانها وزمانها كما سبق ان حصل غير مرة فالمفاجآت هي من أسرار معادلات نصرالله ومن خصائص فاعلية وقوة المقاومة وقدرتها على تغيير وجه الشرق العربي ولن يطول الزمن قبل أن يعلن محور المقاومة بنتيجة فعل دفاعي نوعي “تم الأمر” في الجو كما على الأرض وكما سبق ان جرى في البحر خلال حرب تموز.