تداعيات أبعد من إدلب
غالب قنديل
منذ ظهور الحشود المتلاحقة للجيش العربي السوري على تخوم مناطق سيطرة عصابات الإرهاب في محافظة إدلب تبلورت سلسلة من المواقف والخطوات الميدانية التي تؤكد حقيقة العدوان الاستعماري على سورية وتفضح منطق الغرب الذي يقود هذا العدوان ومعه الكيان الصهيوني وزمرة الأنظمة التابعة والعميلة في المنطقة بدءا من حكومات تركيا فالسعودية وقطر والأردن وسواها لكن العدوان في فصله الراهن وبما تظهره الوقائع الحية بات أقرب ما يكون عدوانا صهيونيا أميركيا تركيا تنخرط في دعمه ورعايته وتسهم في فصوله دول الناتو والحكومات العربية المتآمرة على سورية.
أولا خلال الأيام القليلة الماضية حملت الأخبار المتعلقة بسورية ثلاثة عناوين : حشود لقوات تركية في الشمال وعدوان صهيوني في دمشق واستعراض لقوات الاحتلال الأميركي في الشرق وخلف هذه التطورات برزت تفاعلات سياسية متعددة أبرزها القمة الروسية التركية التي تنعقد اليوم وتشهد محاولة جديدة من الرئيس فلاديمير بوتين لاحتواء الدور التركي على قاعدة موقف حازم يحفظ حق الجيش العربي السوري في بسط سيادته التامة على ترابه الوطني وتصفية بؤر الإرهاب وإفساح المجال لفرصة تركية جديدة تحت عنوان المساهمة في تفكيك الجماعات المسلحة وعزل العصابات الإرهابية.
ثانيا على الرغم من وضوح الرد السوري الحازم باعتراض الصواريخ المعادية التي تطلق من الأجواء اللبنانية يحاول بنيامين نتنياهو تكريس الغارات الصهيونية المتكررة كخط تحذيري ثابت لحماية ما وصفه بالخطوط الحمراء الإسرائيلية والمتضمنة السهر على اعتراض وعرقلة أي تعاون بين اطراف المثلث المقاوم في المنطقة : إيران وسورية وحزب الله خصوصا في تطوير صناعة الصواريخ ونقل التكنولوجيا المتقدمة من إيران إلى سورية ولبنان.
ثالثا يرتسم هذا الخيار الصهيوني بارتباك منذ الفشل الكبير لمساعي بنيامين نتنياهو السياسية الهادفة إلى انتزاع التزامات روسية بحظر تواجد مستشارين إيرانيين او حدات مقاتلة من حزب الله في عمق معين ضمن الجغرافية بعيدا عن خط الاشتباك الصهيوني السوري في جبهة الجولان حيث أعادت قوات الأندوف نشر وحداتها من غير إعلان سوري رسمي للعودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.
رابعا يعتقد مراقبون ان القيادة السورية تشترط ربط العودة لفك الاشتباك بمبدأ انسحاب الاحتلال من هضبة الجولان تنفيذا للقرار 338 الصادر عن مجلس الأمن الدولي وهذا ما توخاه الرئيس بوتين في إشارته خلال قمة هلسينكي وثمة من يردد في مواقع البحث والتحليل الأميركية الصهيونية الخشية من ان يصبح استرداد الجولان كاملة هو المقابل الفعلي لمغادرة المستشارين الإيرانيين وقوات حزب الله بعد إتمام المهمة الفعلية المتصلة بحالة الحرب بين سورية والكيان الغاصب والتي ثبت بالتجربة ان الحشد الإرهابي التكفيري كان احد أدواتها.
خامسا ينكشف بقوة الوجه البشع للموقف الغربي المتورط في الحرب على سورية فبعد التهديدات الأميركية البريطانية الفرنسية المتكررة بقصف البر السوري من الجو والبحر بذريعة كيماوية كشفت وزارة الدفاع الروسية خطوط تحضيرها ومسرحها جاء كلام وزير الخارجية الفرنسية ليفضح حقيقة الموقف الغربي العدواني والبربري فقد قال جان إيف لودريان في مقابلة له مع قناة بي اف ام تي في إن “الهجوم على إدلب قد يهدد أمن أوروبا جراء انتقال المقاتلين من هناك إليها”، مشيراً إلى أن “الخطر الأمني قائم ما دام هناك الكثير من الجهاديين المنتمين إلى القاعدة يتمركزون في هذه المنطقة، ويتراوح عددهم بين 10 آلاف و15 ألفاً “.وأضاف أن هؤلاء الإرهابيين “قد يشكلون خطراً على الأمن الأوروبي في المستقبل”.
سادسا بعد عرضه للخطر المزعوم على امن اوروبا وبدلا من دعم جهود الدولة السورية للقضاء على هذا التجمع الإرهابي الخطير انتقل الوزير الفرنسي إلى تهديد الدولة السورية إن هي أصرت على تخليص جزء من الأرض السورية من عصابات القاعدة وفق اعترافه فلا مشكلة عند الوزير الفرنسي من فتك هذه العصابات بالشعب العربي السوري وبالاقتصاد السوري والأمن السوري فالمهم هو منع ارتداد الخطر إلى اوروبا التي شاركت حكوماتها في استحضار الإرهابيين ودعمتهم بكل الوسائل الاستخباراتية والتسليحية والتدريبية وساهمت إعلاميا وسياسيا في تصنيع وتلفيق صورة الثورة المزعومة لحمايتهم في وجه الدولة الوطنية السورية التي تدافع عن شعبها.
سابعا تعلم الولايات المتحدة ان تحرير إدلب سيعجل في انطلاق مسيرة طرد الاحتلال الأميركي من سورية وهي لذلك ترمي بثقلها لعرقلة خطوات الجيش العربي السوي ويبدو انها تفضل خوض مواجهة عسكرية مع الدولة السورية وحلفائها تحت عنوان إدلب ومزاعم الكيماوي المفبركة قبل ان يصبح العنوان هو طرد الاحتلال الأميركي من سورية ومن هنا يتوقع بعض الخبراء تطوير مبادرات المقاومة السورية ضد الاحتلال الأميركي وعدم الانتظار فطالما لم يباشر الغرب دفع كلفة الاحتلال والعدوان من دماء جنوده لن يتردد في مواصلة دعم أبشع أذرع التوحش والعمالة التي حشدها للحرب على سورية.