إلى متى يستمر التزييف السياسي؟
غالب قنديل
يرتب السلوك السياسي لحلف المقاومة في لبنان نتائج سلبية عديدة ومن اولى المفارقات ان قوى الرابع عشر من آذار تم لم شملها من جديد بطلب من الداعمين الأميركيين والفرنسيين والسعوديين وهي تتصرف كجبهة موحدة بينما بالمقابل تحافظ قوى الثامن من آذار على شكلها المبعثر وتفرقها السياسي.
منذ إعلان النتائج حجبت الحقائق السياسية عندما توزعت قوى الثامن من آذار بالمفرد على عصبيات واصطفافات مذهبية وجهوية ومن المظاهر السوريالية البائسة لهذا الاصطفاف ان ما يسمى بالجناح السني لقوى الثامن من آذار تضامن بغالبية رموزه مع الرئيس المكلف سعد الحريري ضد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يدافع عن فكرة الحكومة المتوازنة التي تعكس صورة الانتخابات ونتائجها وهو بذلك يحمي حق هؤلاء بالتمثيل في الحكومة الجديدة بينما هم الذين تجنوا عليه في خطبهم السياسية المتضامنة مع خصمهم السياسي المفترض في معركة افتراضية حول الصلاحيات وظيفتها الوحيدة “شد العصب” لصالح الحريري أي بالنتيجة شده على خناق مخالفيه داخل الطائفة!..
اننا امام منظومة مواقف وتصرفات يغطيها كلام عن تواضع حلف المقاومة والحرص على عدم استنفار الفريق الآخر أو إثارة حساسياته واحيانا تقدم هذه الصورة بذريعة التعامل بحكمة مع حقيقة ان الرئيس المكلف مضغوط عليه وهو تحت الابتزاز السياسي منذ اختطافه في السعودية وبعد تركه بكفالة ضمن شروطها الرئيس الفرنسي ماكرون.
لكن المسألة الجوهرية تتعلق بمضمون التسويات والتفاهمات السياسية الممكنة داخل حكومة المساكنة بين المحورين والتي تتعامل معها قوى الثامن من آذار بشيء من التساهل بدءا من تحجيم قوتها التمثيلية التي تعادل خمسة وأربعين نائبا توجب وزنا موازيا في تركيبة مجلس الوزراء مما كان سيريح الحلفاء المنتمين إلى طوائف غير الشيعة بعدما ضمنت حركة امل وحزب الله حصتهما الوزارية بقوة التمثيل النيابي للطائفة علما ان كتلتي الحركة والحزب ليستا محصورتين بالنواب الشيعة وهما لن تمثلا بوزراء من طوائف اخرى كما يبدو على عكس كتلتي الحريري وجنبلاط.
ألم يكن من الأجدى التحرك بعد الانتخابات مباشرة لتظهير الحقيقة السياسية والتقدم ببرنامج وشروط تقيد المساهمة في تسمية الحريري لرئاسة الحكومة من قبل قوى الثامن آذار التي اعطت الحريري شيكا على بياض دون شروط سياسية او عملية.
وماذا يضير على سبيل المثال ان يكون تأييد التكليف مشروطا بتفاهمات تشمل الملف الاجتماعي والاقتصادي من الدين العام إلى الضمان الاجتماعي وقروض الإسكان وموضوع العقوبات المصرفية الأميركية ضد لبنان ومشروع الباقة الفضائية الموحدة وحماية قناة المنار من العقوبات الأميركية وغير ذلك من المسائل الملحة وطنيا واجتماعيا؟ أو ان تطال مبدأ السياسة الخارجية المتوازنة بدلا من الالتصاق المستمر بالمحور الأميركي السعودي الذي تم تحت تغطية النأي المزعوم …
إن أيا مما تقدم من العناوين لم يطرح سوى في مواقف وتصريحات الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل وقد أقام الفريق الاخر الدنيا ولم يقعدها من غير ان يبدي حلف المقاومة التضامن الواجب والطبيعي بالحرارة المفترضة بل قدم النقاش للرأي العام على أنه مناكفة عونية جنبلاطية او مناكفة عونية قواتية وهذا غير صحيح.
إن حجب الحقيقة السياسية والتلطي خلف المفردات المذهبية والمناطقية وتشتيت جمع الثامن من آذار بعد الانتخابات يشبه سريالية حجب الوجه بإصبع وفيه ضرب من التذاكي الذي ألقى بالعبء السياسي على كاهل رئيس الجمهورية الذي أثبت بالفعل أنه جبل كما وصفه سماحة السيد حسن نصرالله دون أي شك.
لكن تضييع الحقيقة السياسية للاصطفافات يحرم حلفا عريضا داعما للمقاومة في البلد وداخل المجلس النيابي من عناصر قوته وهو يحول بعض القوى والرموز الوطنية إلى وضعية أشبه باللجوء السياسي عند زعامات طائفية أخرى لتضمن تمثيلها في التشكيلة الحكومية.
من الخطأ اعتماد هذا الأسلوب في إدارة الصراع بما يرتبه من توهين وتحجيم لقوة داعمي خيار المقاومة وحاضنيها داخل توازنات هذا النظام الطائفي البائس الذي لا تفيد في ظله معاملة المحور الآخر بأساليب التورية والمسايرة في التعاطي مع تناقضات حدية وحاسمة تتعلق بمستقبل المنطقة وتوازناتها ومهما ساير المتورطون الواجفون من قوة المقاومة سينقلبون عليها ويشهروا سكاكينهم ويكشرون عن انيابهم بصدور إشارة من مشغليهم في الخارج كما فعلوا سابقا واولهم من يتقن ألاعيب الابتزاز والتلون السياسي منذ عقود وهو يتلطى رعبا من لحظة انتصار سورية الآتية.