هل انطلقت مساومات الانسحاب الأميركي والتركي ؟
غالب قنديل
منذ تنصيب دونالد ترامب رئيسا يكاد يتحول معهد واشنطن التابع للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة إلى الموقع المركزي لصنع السياسات الأميركية في منطقة الشرق العربي على الأقل فنادرا ما يتناول باحثو المعهد مواضيع من خارج منطقتنا وإن فعلوا فعلى تماس قريب من الكيان الصهيوني ومصالح الحركة الصهيونية المتشعبة في العالم وهذا المعهد تعود ملكيته وتمويله إلى منظمة الإيباك رسميا ويتواجد في عداد باحثيه عدد من السفراء الأميركيين السابقين في المنطقة ممن ذاع صيتهم في التعبير عن الخطط والمشاريع الصهيونية مثل دنيس روس المسؤول السابق عن ملف الشرق الأوسط و”عملية السلام” في إدارتي جورج بوش وباراك اوباما او جيمس جيفري السفير السابق في تركيا والموفد الرئاسي المكلف بالملف السوري حاليا.
نشر دنيس روس مقالا في صحيفة وول ستريت جورنال حول الوضع في سورية ضمنه اقتراحا لإدارة ترامب حول مساومة محتملة برأيه مع روسيا بشأن الوضع في سورية وما تضمنه المقال من أفكار يجعل منه انطلاقة لاستدراج العروض حول الثمن المطلوب للانسحابين الأميركي والتركي من سورية وليس من فراغ ان يتم جس النبض الروسي والسوري والإيراني في مقالة منشورة علانية قبيل انطلاق معركة تحرير إدلب التي سيثير سياقها اقتلاع الاحتلال التركي وانتشار الجيش العربي السوري حتى الحدود التركية كما سيفتح استحقاق العمل لاقتلاع الاحتلال الأميركي من الأرض السورية.
يستدعي مقال روس التوقف عند النقاط والملاحظات التالية :
أولا اليأس الأميركي من الرهان على فرضية التعارضات بين حلفاء المحور الروسي السوري الإيراني فقد اظهرت التجارب الحصيلة التي يقر بها روس وهي عقم مثل هذا الرهان بفعل رسوخ علاقات الشراكة والعمل المشترك بإيقاع منسجم بين الدول الثلاث في سائر الملفات وليس فحسب في تفاصيل الميدان السوري الذي تحول إلى مختبر لتوسيع نطاق العمل المشترك ولتوثيق الروابط الثنائية والثلاثية وقد فشلت جميع الرهانات الأميركية والصهيونية السابقة على النيل من متانة هذا التحالف الثلاثي الذي تحول إلى كتلة استراتيجية صلبة تتعزز بتشابكات اطرافها المصلحية اقتصاديا وسياسيا وامنيا واستراتيجيا.
ثانيا الميل الواضح في مواقع صنع القرار الأميركي لتبني خيار الخروج من سورية وتفضيل المساومة على الثمن من الآن هو نتيجة الاستعصاء والخشية من الغرق في مستنقعات خطيرة عندما تقرر القيادة السورية إطلاق حرب تحرير وطنية لطرد القوات التركية والأميركية المحتلة بعد تصفية معاقل عصابات الإرهاب سواء برعاية مقاومة شعبية سورية او بعمليات يقودها الجيش العربي السوري مع حلفائه ام بكلي الطريقين معا وهو الأرجح.
ثالثا اعتبار استعادة واشنطن لحرارة التحالف والتنسيق والتناغم مع انقرة وتل أبيب شرطا للنجاح في تحقيق صفقة مناسبة مقابل الخروج الأميركي والتركي من سورية وهو ما ربطه دنيس روس بتعيين زميله جيمس جيفري السفير الأميركي السابق في تركيا والمعروف بعلاقاته الوثيقة مع أردوغان وربما في ذلك ما يفسر انقلاب الرئيس التركي على روحية التعاون والاحتواء في قمة طهران بإغراء العودة إلى الحضن الأميركي وتأكيد التحالف القوي مع إسرائيل.
رابعا يتركز مقترح روس للصفقة التي يدعو إلى التفاهم عليها مع روسيا على فكرة إيجاد مناطق عازلة على الحدود السورية مع الأردن وتركيا ومع جبهة الجولان على ان تكون تلك المناطق خالية من تواجد أي قوات لإيران وحزب الله ومن أي محطات رادار او قواعد لإطلاق الصواريخ وهذا المقترح يتسم بوقاحة عالية لما فيه من انتهاك لمباديء السيادة السورية التي ترفض القيادة السورية أي مساومة عليها كما برهنت الأحداث طوال السنوات والعقود الماضية وحيث تبدو مصلحة إسرائيل بالتخلص من معادلات الردع الصاروخي لمحور المقاومة هي الجوهر الفعلي لمشروع دنيس روس عملا بمبدأ ترامب الفعلي : “إسرائيل اولا”.
خامسا من المنطقي ان يرحب أردوغان بمشروع روس المقترح للتفاوض بعد هزيمته شبه الكاملة في سورية فهو يقدم له من خلال اشتراط المنطقة العازلة ما يستجيب لمخاوفه من امتداد الحالة الكردية عبر الحدود ومفاقمتها للتمرد داخل تركيا رغم تكريسها التام لانكسار طموحاته واطماعه داخل سورية ويبدو واضحا ان اقتراح روس يتجاوز عمدا حقيقة ان إسرائيل تحتل أرضا سورية هي الجولان وان القيادة السورية لن تقبل بأي تفاوض حول خط التماس مع الكيان الصهيوني بمعزل عن استعادة الجولان المحتل حتى لو كان المقابل المعروض هو انسحاب القوات الأميركية والتركية من سورية.
سادسا لن يفيد التلويح بأي تفاوض محتمل بدفع القيادة السورية إلى تأجيل عملية تحرير محافظة إدلب فأولوية اقتلاع عصابات الإرهاب هي خارج المساومات تماما كالسيادة الوطنية في التعامل مع الاحتلال الصهيوني والأميركي والتركي ومن الواضح كليا ان الجهات المحتلة الثلاث الساعية لتوحيد جهودها باتت يائسة من كسب أي معركة ضد الجيش العربي السوري وضد مشيئة الاستقلال والسيادة التي يمثلها الرئيس بشار الأسد الذي فشلوا في زحزحته او النيل منه مجتمعين مع اكثر من مئة دولة في العالم وبالشراكة مع دول عربية متآمرة وعميلة.