نهاية المساكنة ام تعديلها؟
غالب قنديل
كما العراق كما لبنان ساحتان لمساكنة وشراكة غير معلنة بين محور الهيمنة والوصاية بقيادة الولايات المتحدة من جهة ومحور المقاومة الإقليمي من جهة ثانية والانتخابات اللبنانية والعراقية كذلك جاءت لتعيد رسم التوازن الداخلي بينما التطورات السورية ترسم صورة جديدة للتوازن الإقليمي أي لنسبة القوى بين المحورين في المنطقة والعالم ولذلك تحول تشكيل الحكومتين في العراق ولبنان إلى اختبار جديد لشروط المساكنة بين المحورين ومن دراسة هذا المخاض يمكن بلورة الأجوبة المطلوبة عن مستقبل علاقة بيروت وبغداد بكل من دمشق وطهران في المرحلة القريبة القادمة.
ما حدث في محافظة البصرة العراقية كان نموذجا للمواجهة بين المحورين بالواسطة على مسرح مشتعل ومتفجر وقد جاء لقاء السيد مقتدى الصدر بالقائد الفعلي للحشد الشعبي الذي عزله رئيس الحكومة حيدر العبادي ليقدم حصيلة إحباط الانقلاب الأميركي بعد انتشار الحشد في البصرة والثمرة كانت رفضا معلنا لعودة العبادي إلى منصبه بعد الانتخابات.
من الواضح ان محور المقاومة تصدى لانقلاب كانت غايته تغيير التوازن الداخلي الدقيق وتحقيق الأهداف الأميركية المتمثلة بتهميش الحشد الشعبي والفتك به كقوة سياسية تحررية وتمكين تحالف سياسي من الحكم يخضع لشروط الالتحاق بالمملكة السعودية واستمرار تقطيع الجسور مع سورية والابتعاد عن إيران.
منذ انطلاق الحشد الشعبي بعد انفلاش داعش في الجغرافية العراقية اعتبرته الولايات المتحدة خصما خطيرا فهو قوة شعبية مسلحة تجاهر باعتناق فكرة المقاومة ضد الاحتلال الأميركي والصهيوني في المنطقة وقد ظهر الحشد في الميادين كجهة شعبية حليفة لإيران قاتلت في سورية وهي في العراق كانت أقدر من سواها على حسم الصراع ضد عصابات الإرهاب ومن دواعي العدائية الأميركية أن مكونات الحشد الفعلية تضم فصائل وطنية شاركت في القتال ضد الاحتلال الأميركي وما زالت تناهض الوصاية الأميركية.
تريد الولايات المتحدة واقعا سياسيا متكيفا مع وجودها العسكري المستمر في العراق بفضل معاهدات واتفاقات تفرط بالسيادة الوطنية وتحت تغطية جيش من المستشارين المدنيين والعسكريين وجحافل مرتزقة الشركات الأمنية الممسكة بالعديد من المفاصل العراقية وبينما ينصب الاهتمام الأميركي على نشر وحدات الاحتلال على مقلبي الحدود السورية والعراقية لتقطيع اوصال محور المقاومة فقد أراد مدبرو انقلاب البصرة إقامة حاجز سياسي يفرض القطيعة مع طهران ويدير الظهر لدمشق لصالح الالتحاق بالركب السعودي في المنطقة.
كيف استطاع الأميركيون تدبير كل ذلك لولا ظلال المساكنة التي تحركوا تحت جناحها ؟ ولولا وجود قوى وزعامات فتحت لهم أبواب التدخل والعبث وكانت حليفة لإيران حتى الأمس القريب وهي تتراقص حسب التوازنات والحسابات المصلحية ولأنه في العراق كما في لبنان لم تقم معادلة واضحة في الصراع بين المحورين بل استمر التجاذب وحيث ان كتلة من الأطراف الرمادية تحتفظ بقدرة الترجيح في مجابهة استقطاب حدي للمواقف والمواقع والخيارات ولأن النظام الطائفي يقيم أرضية زئبقية للاصطفاف السياسي.
القراءة المتأنية للنتائج والتوازنات لا تشير إلى انتهاء المساكنة بل إننا أمام فصل جديد منها ستحكمه معادلة جديدة يطفو فيها حلف حاكم يتشكل حول ثنائي الصدر والحشد وعلى خياراته ستكون سياسة الحكومة المقبلة إقليميا وكذلك شخصية رئيسها.
تدرك الولايات المتحدة ان رضوخها للمساكنة الممكنة هو في الحصيلة أفضل ما لديها في العراق ولبنان وهي ارتكبت خطأ جسيما بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي كشفت العديد من اوراقها الظاهرة والمخفية وبالمقابل لا يتبنى محور المقاومة حتى الساعة شعار فض المساكنة ولا هو يطرح أفكارا من نوع طرد الأميركيين من العراق او إسقاط الوصاية الأميركية السعودية في لبنان بل هو ينافح عن معادلة للمساكنة تعطي فريقه المحلي وزنا يناسب قوته الشعبية ولينتزع بعض الالتزامات التي يفرضها رجحان كفة المحور المقاوم إقليميا.
لو فكرنا منهجيا وبمنطق تحرري واستقلالي في تعيين المهمة الوطنية المركزية في البلدين أي لبنان والعراق لوجدنا الجواب بكل صراحة ووضوح : طرد الأميركيين من العراق وإسقاط الوصاية الأميركية السعودية في لبنان وسنجد عمليا ان العلة التي تحمي ذلك الوجود وتلك الوصاية هي النظام الطائفي الذي ليس صحيحا انه قدر أعمى كما تصور القوى المتنعمة بامتيازاته وغنائمه الوفيرة.