إيران ودرس كردستان العراق الجديد لمن يفهم!: ناصر قنديل
– فيما الإعلام منشغل والسياسة منغمسة، في استقراء رسائل أحداث البصرة، والاستعصاء الحكومي في العراق، والتصعيد المفتعل في حرب الصلاحيات لتبرير التعطيل في لبنان، وبينهما وفوقهما، بما شهدته قمة طهران ومن ورائها معركة إدلب، التي بدا واضحاً أن كل التهديد والوعيد لا يفتّ في عضد أصحاب القرار فيها، قام الحرس الثوري الإيراني بالإعلان عن استهداف مواقع للجماعات الكردية المسلحة الإيرانية المتمرّدة والمتمركزة داخل كردستان العراق، وهي جماعات ينظمها ويرعاها الأميركيون للقيام بأعمال تخريبية داخل إيران. والحدث كبير جداً ويحمل رسائل تتصل بحجم القرار الإيراني في التعامل مع المحاولات الأميركية لتغيير توازنات النصر في سورية التي تقترب لحظاتها الأخيرة لصالح محور المقاومة الذي تشكّل إيران قوّته الرئيسية وعمقه الاستراتيجي .
– رسالة كردستان العراق ودرسها الأهم، أن إيران التي صمتت عن بعض هذه الجماعات في ما مضى منعاً للتصعيد، واكتفت بالاستعدادات داخل حدودها لمنع تسلل هذه الجماعات، قرّرت مطاردتها وتصفيتها داخل الحدود العراقية في ظل وجود أميركي مباشر في العراق، وفي أشدّ اللحظات العراقية السياسية الداخلية تعقيداً، وتجاذب سياسي داخلي عراقي يتصل بدور إيران، التي يفترض منها مراعاته ويتوقع منها تهيّب القيام بما يثير ضدها بعض المواقف ويستصدر بعض البيانات، فإذ بها تفعل العكس غير آبهة بما سيُقال، لتقول إنه في كل مواجهة تكون أميركا هي الطرف المقابل فيها بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فلا خطوط حمراء تمنع إيران من الذهاب للاشتباك المباشر مهما كانت النتائج، وأنها مستعدّة لتحمل التبعات، وخوض المخاطر.
– هذا يعني مباشرة أن الرسائل قابلة للصرف في ساحتي اشتباك افتراضيتين، الأولى في سورية وفقاً لقراءة ما بعد إدلب، والتبشير الإيراني المتواصل منذ سنتين بدنو معركة الرقة، ومن ضمنها طرد الأميركيين من سورية، وليس خافياً أن العملية التي استهدفت الجماعات الكردية المجهزة لاستهداف إيران، يأتي بعد يومين على قيام جماعات كردية مشابهة يقودها الأميركيون باستهداف الجيش السوري في منطقة القامشلي، والثانية في مضيق هرمز، حيث حذرت إيران من دفعها لإقفاله أمام الصادرات النفطية، إذا جرى تقييد حركتها في أسواق النفط بصورة تصيب وضعها المالي والتجاري بنتائج قاسية، فالتحرك العسكري خارج أراضي إيران، وفقاً لمفهوم أمنها القومي، ودون تنسيق مسبق مع حكومات الجوار المعنية، هو منهج على واشنطن وضعه في الحساب، كلما دنت ساعة الاختبار في الخليج.
– بالتزامن تبدو الرسالة واضحة لجهة عدم ترك المجال للفهم الخاطئ لتعامل إيران وحلفائها مع مساعي الفتن التي يشعلها الأميركيون في العراق ويريدون إشعالها في لبنان، فالاحتواء والامتصاص أسلوبان ناجحان في الأحداث الداخلية العراقية واللبنانية سياسة رابحة لإيران، حيث تحوّلت الفوضى التي أُخذت إليها منطقة البصرة في العراق لإحراق اسم المرشح الذي يدعمه الأميركيون لرئاسة الحكومة، الدكتور حيدر العبادي، وتحميل تيار السيد مقتدى الصدر مسؤولية الفوضى التي استهدفت خصومه والقنصلية الإيرانية، بعدما كان المقصود استهداف تيار الحشد الشعبي ورئيس الحكومة السابق نور المالكي، وتحميلهما مع إيران مسؤولية المعاناة المتراكمة لأهالي البصرة. وفي لبنان فشلت محاولات تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية تأخير ولادة الحكومة، وبدا بوضوح أن المسؤولية عند الرئيس المكلف تشكيل الحكومة رغم كل الحشد الذي تمّ استحضاره لافتعال معركة صلاحيات رئاسية. والرسالة، هنا هي لا تسيئوا فهم المرونة، فرسالة القوة في مكان آخر، ولسنا ملزمين عندما تهاجمون بالردّ في المكان والأسلوب ذاتهما، فافهموا الأبعاد والمعاني وضعوها في حساباتكم الأكبر، والأبعد مدى!