حصار الرئيس للاقتراب من قلعة المقاومة: ناصر قنديل
– في قلب المعارك المفتوحة من قمة طهران والتمسك الروسي الإيراني بحسم إدلب، وتطويق المراوغة التركية ومنع التلاعب الأميركي بمستقبل سورية من بوابة الإغراء بتفويض تركي برعاية دويلة جبهة النصرة لتبرير دويلة عنوانها كردي شرق الفرات، وكلاهما غطاء احتلال وتكريس تقسيم، إلى مشروع تعميم الفوضى في العراق من بوابة وجع البصرة وتوظيفه شحنات نارية على مكاتب فصائل المقاومة، وما تلاها من رسائل غامضة ومفهومة بإطلاق قذائف وصواريخ مجهولة ومعلومة تستهدف السفارة الأميركية، وصولاً إلى الشد والجذب في اليمن من مطار صنعاء إلى جنيف، وما بينهما صواريخ جازان وطائرات مسيرة تقصف في دبي، مقابل قتل الأطفال وجرائم مشهودة في الليل والنهار. وفي عمق العمق الرهان على تطويق طهران وإسقاطها بالضربة المالية، ومقابلها عقدة هرمز والعزم على ردّ الصاع صاعين، والشهور القاسية تمر يوماً بيوم لأنها الشهور الحاسمة، تأزم المشهد اللبناني ليس لبنانياً مع تقدير كل رأي مخالف .
– في العراق أسباب عراقية كافية لمشهد الفوضى، كما في اليمن أسباب يمنية وسعودية كافية للاستعصاء، كما في سورية أسباب سورية للعزم على الحسم، لكن فيها جميعاً ما يربط بعضها ببعض بما لا يمكن إنكاره وتجاهله. فالأميركي موجود فيها جميعاً، ومحور المقاومة حاضر في ساحاتها وملفاتها، والحرب بينهما ضروس، والأمر في لبنان بائن، أنه يحتضن رأس حربة محور المقاومة وقيمته المضافة، وأن اللاعب الأهم في محور واشنطن الذي تمثله «إسرائيل» لا يقضّ مضاجعه بمثل ما تفعل هذه المقاومة، فهل يعقل الاكتفاء بوجود اسباب لبنانية لما هو في لبنان، لننكر أو نتجاهل ما يتصل بموقع لبنان الحاسم في هذه الحرب، وفي هذا التوقيت؟
– منذ عامين عندما بدأ التحضير لتوافق لبناني على انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، كان المشهد مستنداً في جوهره إلى إقرار أميركي بالعجز عن المواجهة، والاستعداد للذهاب إلى التسويات، والتسليم باعتبار الملعب السياسي أشد أهمية لمواصلة المواجهة من ملعب التعطيل، وكان التفاهم على الملف النووي الإيراني أول القطاف، ولكن مرحلة جديدة بدأت مع تبلور الحلف الروسي الإيراني الذي نشأ بعد التفاهم على الملف النووي الإيراني في صورة قرار بالحسم في سورية، شكل الحضور الروسي المباشر طليعته، وشكلت معركة تحرير حلب بما فيها من مجازفة التصادم مع تركيا، ومخاطر الاصطدام المباشر مع الأميركي، وإمكانيات سقوط التفاهم على الملف النووي، وأهم عناوين المرحلة الجديدة، الانسحاب من التسويات ما لم تتضمن بوضوح ما يضمن أمن «إسرائيل»، والانكفاء وراء خطوط تعطيل شرعنة الانتصارات إذا فرضتها المواجهات في ميادين المواجهة، لتكون العقوبات المالية سلاحاً بديلاً لإضعاف وهج النصر وتطويق مفاعيل الانتصارات، في سورية وإيران ولبنان وكل مكان.
– بمثل ما كان التفاهم على الملف النووي الإيراني من الزاوية الأميركية رهاناً فاشلاً على تجميد موقع إيران الحاسم في قرارات الحسم، كان التفاهم على انتخاب العماد عون رئيساً للبنان رهاناً فاشلاً على استقطاب التيار الوطني الحر إلى محور مناوئ للمقاومة، أو تحييده عن مساحة الاشتباك معها، وبمثل ما شكل الانسحاب من التفاهم على الملف النووي الإيراني إيذاناً بالخروج من التسويات. تشكل المعركة المفتوحة على رئيس الجمهورية، من بوابة تشكيل الحكومة وصولاً لافتعال حرب صلاحيات، انسحاباً من التسوية الرئاسية. وبداية الانسحاب كانت احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض، لأنه الطرف الذي وقعها بالوكالة عن حلفائه الذين حملوه مسؤولية الرهان الذي خسروه معاً، ولأنه وقعها بالأصالة عن نفسه وبدا متمسكاً بالحفاظ عليها. ومنذ ذلك اليوم والرئيس الحريري، إن لم يكن رأس الحربة في الخروج من هذه التسوية، فهو منسحب من ساحة تثبيتها، حتى يعود إليها حلفاؤه.
– عنوان المعركة في لبنان واضح، حصار رئيس الجمهورية، والحكومة مسرح اشتباك وليست موضوعه، والحصار بهدف المقايضة بربط السماح بنجاح العهد بقبول تحييد الرئاسة وما تمثل في الشارع والمجتمع، عن المعركة التي تستهدف المقاومة، وهو ما يُسمّى في العلم العسكري بتشبيه مستوحى من لعبة الشطرنج بالتقرب من القلعة، ومحوره تحييد الوزير كحجر حاسم على رقعة اللعبة، وبعد التقرب من القلعة تكون النقلة اللاحقة كش ملك، واللاعب المحترف يمنع التقرّب من القلعة بحماية الحصان والوزير، وتغيير قواعد اللعبة بالانتقال للهجوم عبر تحريك الحصان.