الفرصة الأخيرة لأردوغان
غالب قنديل
وصلت إلى خط النهاية لعبة الرقص على الحبلين التي اتقنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من سنوات بعد هزائم متلاحقة لمشروعه في المنطقة وفي سورية بالذات تحت المظلة الاستعمارية الأميركية ذلك المشروع الذي سحقته الانتصارات السورية الميدانية بينما واكبت دمشق بموقفها السياسي الحازم من التورط التركي السافر في العدوان مبادرات الاحتواء الإيرانية الروسية التي ألقت أردوغان في حالة حرجة أمام الاختيار الجبري بين فرص التفاهم أواحتمالات التصادم عالية الكلفة كما برهن الاشتباك التركي الروسي إثر حادثة الطائرة الشهيرة والعقوبات الروسية المؤلمة.
تعرض إيران روسيا فرصا كثيرة على القيادة التركية إن هي راجعت حساباتها في سورية بينما وجد أردوغان نفسه في حالة احتكاك خطيرة مع الولايات المتحدة منذ الانقلاب العسكري الفاشل واندلاع الأزمة المتعلقة بطلبه تسليم شريكه السابق في الحكم فتح الله غولن الذي اتهمه بتدبير المحاولة الانقلابية التي أسفرت عن عشرات آلاف المعتقلين والمفصولين من الوظائف العامة في جراحة هيكلية لبنى النظام القائم وغولن هو الكفيل السابق لأردوغان لدى المؤسسة الحاكمة الأميركية وبالمقابل تطالب الإدارة الأميركية بتحرير القس الأميركي أندرو برنسون المعتقل في تركيا بتهم التجسس والتورط في المحاولة الانقلابية نفسها.
اعتبر ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ان الغرى اللاصق الذي أنشأ التحالف الأميركي التركي بعد الحرب العالمية الثانية قد أصيب بالتلف والتآكل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء ” الخطر الشيوعي ” والحقيقة أن شبكة من المصالح التجارية والمالية والسياسية باتت تربط تركيا بكل من روسيا وإيران وقد أدار أردوغان لعبته الزئبقية بين محور طهران – موسكو وخلفه الصين ومجموعة شانغهاي من جهة وواشنطن وخلفها حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.
الزمن يضيق اليوم وقد ألزمت روسيا وإيران الرئيس التركي بتصنيف جبهة النصرة منظمة إرهابية تحت سحابة من هدير الدبابات السورية التي زحفت إلى إدلب وقرعت نفير تحرير المحافظة حتى الحدود التركية ومع تدفق قطع الأساطيل الروسية نحو حوض المتوسط وفي ظل تصرف موسكو مع تهديدات واشنطن لدمشق على انها موجهة ضدها مباشرة.
اليوم سيكون على أردوغان أن يحسم امره فإما التعاون مع روسيا وإيران وتنفيذ الالتزامات المطلوبة لتسهيل تحرير آخر معاقل عصابات الإرهاب التي دعمتها المخابرات التركية وساهمت في تسليحها واحتضانها منذ البداية بدعم اميركي اطلسي سعودي وقطري وإما التصادم مع المحور الروسي الإيراني بشأن عملية تحرير إدلب التي توشك ان تنطلق بأمر من الرئيس الدكتور بشار الأسد وبدعم من حلفاء سورية أي روسيا ومحور المقاومة مجتمعا. مع تصنيف عصابة جبهة النصرة على لوائح الإرهاب اطلق الرئيس التركي مؤشر التكيف مع الطلبات الروسية والإيرانية ويبدو واضحا ان الولايات المتحدة لم تقدم عرضا مغريا بالمقابل للزعيم التركي الذي احترف الابتزاز السياسي وسعى جاهدا لتأخير الساعة التي دقت في طهران اليوم.
بعض المعلومات المسربة تفيد بقيام المخابرات التركية بسحب آلاف المجرمين من عملائها ومرتزقة الخليج والغرب إلى تركيا عبر الحدود وهو ما لم يتاكد بصورة رسمية والأرجح ان اردوغان يقوم في الشمال بما قام به نتنياهو في الجنوب أي تفكيك ما جمعه بنفسه لمحاربة سورية.
يواصل الرئيس التركي الكذب في سياق إبداء الاستعداد للرضوخ للطلبات الروسية الإيرانية فهو يتباكى على مصائر المدنيين الذي دبر لهم المذابح وهم يعرفون أكثرمن سواهم من قاد عمليات النهب اللصوصية للمعامل السورية فقد تحول “لص حلب” إلى “ناشط إنساني” يتفجع على مصائر السكان بينما المخابرات البريطانية أعدت العدة لمسرحية كيماوي جديدة وفي هذا الوقت تعزز سورية استعدادها مع الحلفاء والشركاء لاحتمالات عدوان اطلسي أميركي بريطاني فرنسي يعقب تصوير الذريعة الكيماوية الكاذبة.
اليوم سيكون الاختبار الأخير لفرص احتواء أردوغان وإعادة تموضع الدور التركي في المنطقة وما بعده قد يكون غير ما قبله بالنظر لموقعه في سياق الحرب على سورية لكن الرئيس التركي سيحاول حتى اللحظة الأخيرة لاجتماعات طهران ان يجري مساومات تعكس اطماعه التاريخية في سورية ومخاوفه من تعاظم القوة الكردية وامتداد وهجها صوب الداخل التركي وهي كانت إحدى عناوين افتراقه عن الولايات المتحدة وبينما تحتفظ القيادة السورية بدفتر شروطها الخاص اتجاه حكومة أنقرة وترفض ابتزاز أردوغان بجميع مستوياته ولن تغفر له جرائمه بحق سورية الشعب والوطن والدولة الوطنية فهي تفتح أبوابها على مصراعيها للحوار مع القيادات الكردية وتستعد لمعركة طرد الاحتلال الأميركي بعد تحرير إدلب مباشرة وكما كان سياق المعركة في الجنوب سيكون السياق في هذا الجزء من الشمال السوري والبقية تأتي بسورية سيدة حرة منتصرة.