عن الباقة والشبكة والوصاية
غالب قنديل
يستمر المشهد المهزلة بالرضوخ لعقوبات أميركية على وسيلتين إعلاميتين لبنانيتين هما قناة المنار وإذاعة النور بينما لا تظهر الدولة اللبنانية أي جدارة في حمايتهما انطلاقا من مبدأ اعتبار الإعلام الوطني اللبناني مرفقا سياديا لبنانيا تنظمه القوانين اللبنانية وحدها وهو مبدأ أقرته حكومة الرئيس تمام سلام بناء على اقتراح المجلس الوطني للإعلام وللأسف لم تبن عليه القرارات والمواقف المناسبة منطقيا ، وقد أفضت المسايرات الناشئة عن المساكنة السياسية في السلطة منذ اتفاق الدوحة إلى الصمت على هذا الحيف والظلم الذي تفاقمت مفاعيله فإذا بحرية الإعلام والتعبير وبحرية التزام المقاومة كقيمة وطنية تغدو ضحية ” الوفاق الوطني ” ويا للسريالية اللبنانية البشعة والمقززة.
وصلت تداعيات الخضوع للوصاية الأميركية بواسطة عقوبات حكومة واشنطن المتصهينة إلى حد تنصل العديد من القنوات اللبنانية من تبعات التضامن المهني والسعي لإستبعاد قناة المنار عن أي اتفاقات ثنائية او جماعية داخل القطاع التلفزيوني اللبناني وبحيث بات إقصاء المنار عن البث الفضائي في جورة البلوط المتفق عليه مع الدولة اللبنانية مع قمري نيل سات وعرب سات شيئا من تحصيل الحاصل.
طبعا يحصل كل ذلك في ظل الثرثرة المشبوهة المتواصلة حول هيمنة مزعومة لحزب الله على الدولة فكيف يعقل ان تطارد قناة المقاومة بكل ما يستهدفها من عقوبات وتدابير فاجرة تمليها المخابرات الأميركية ويستجيب لها النظام السياسي اللبناني وقطاعه المصرفي الخاضع للهيمنة بينما يحظى حزب الله بوزن سياسي كبير لكنه يبدو عاجزا عن حماية الإعلام المقاوم ويحجم عن خوض تلك المعركة السياسية لاعتبارات يراها ضرورية انطلاقا من توازنات التركيبة الطائفية المقيتة للنظام اللبناني لكن المعركة كما نتصورها هي ضرورة لحماية الإعلام اللبناني ولتطويره وليست فقط لحماية القناة التلفزيونية والمؤسسة الإذاعية للمقاومة.
ما لم تراه قيادة الحزب وحلفاؤها هو ان سريان العقوبات وطواعية المصارف اللبنانية وواقع تنزيل المنار عن الأقمار هي ادوات ترهيب سياسي ومعنوي لغيرها من المؤسسات الإعلامية اللبنانية وقد أسفرت تلقائيا عن تدجين الإعلام اللبناني بذريعة تحاشي الوقوع بما أصاب المنار والنور وهذا تحصيل حاصل تكشفه الوقائع لمن يدرس ويفهم خفايا تفلت الإعلام اللبناني من ضوابط القانون في كل ما يطال الخيار الوطني المقاوم والسيادة اللبنانية والصراع العربي الصهيوني وهي ظواهر تحظى بالحماية السياسية لجناح من الحكم ولشريك في المساكنة السياسية السارية.
لم يتحرك أي من المسؤولين بجدية للتعامل السيادي مع هذا الملف وتم وضع اقتراح المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع بخصوص الباقة اللبنانية الموحدة على الرف أسوة بسائر اقتراحاته ومشاريعه التي تخدم الإعلام اللبناني عموما وتحول دون المس بحرية الإعلام اللبناني وتنوعه وتتوخى تطوير القطاع برمته وتوسيع نطاقه الاسنثماري وعائداته الإعلانية.
كما على الأرض كذلك في الفضاء فقد تم تعطيل مشروع الشبكة الرقمية الأرضية التي تنهي عهدا من الفوضى والنهب اللامحدود والسطو على المرافق العامة في مجال الاتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني كما تم نسف مشروع الباقة اللبنانية الموحدة.
لقد سقط قناع آخر من الخداع والكذب المنظم في الخطب السياسية اللبنانية كالعادة فالباقة الموحدة التي تضم جميع القنوات اللبنانية المرخصة وسائر المؤسسات الإذاعية اللبنانية هي السبيل إلى إنشاء منصة تواصل إعلامي مستمر بين لبنان المقيم والمغترب ترعاها الدولة وتحميها وبالتالي فهي وسيلة تفاعل وجذب اتجاه المغتربين تتعدى حدود استقطاب أصواتهم في صناديق الاقتراع إلى شبكهم عضويا بمجالات الحياة في الوطن وهي ميدان يفرض توجها برامجيا إخباريا تفاعليا مع الجاليات اللبنانية.
يعلم الخبراء أنه يمكن ان تبنى بهذا التشبيك الإعلامي مشاريع عديدة وتفتح آفاق كثيرة اقتصادية وثقافية تسهم في تلبية مصالح لبنانية اكيدة وهي يمكن ان تتحول ( أي الباقة ) على هذا النحو إلى منصة إلكترونية وطنية للتواصل بين المغتربين والمقيمين كما يمكن ان تفتح أبوابا مجزية لتوسيع السوق الإعلانية وعائداتها على الإعلام اللبناني بجناحيه العام والخاص وهو يئن ويشكو من ضمور المداخيل ويمارس استحلاب التمويل السياسي الخارجي والداخلي ليعتاش على خدمته مخالفا القوانين والأنظمة.
لبنان في فوضى إعلامية اخطر مما كنا عليه عشية الطائف : فوضى ترددات إذاعية وبث غير مرخص يتفشى كالفطر ويعتدي على الإذاعة اللبنانية العامة وفوضى مجموعات الكابل المتضخمة التي تبث وتحجب ما تريد تبعا لما تقبضه من بعض المؤسسات والمجموعات الاحتكارية التي تسعى إلى تجميعها بعض الرساميل البنكية التي تمتص دماء اللبنانيين بالفوائد الربوية لسندات الخزينة وكأنه لم يكف حيتان المال ما اقتطعوه على الأرض من عقارات وأبنية وما جمعوه من مليارات المال العام وباتت عيونهم على الأثير وربما يبيعون اللبنانيين قوارير للتنفس لو أعدموا حيلة الربح الشيلوكي القذر.
هذه غابة سائبة وليست دولة وما يجري إعلاميا هو فضيحة بكل معنى الكلمة وقد اصطدمنا دائما بجدار مسدود كلما تحركنا حول هذا الموضوع المختوم بشمع أحمر عليه بصمة الجشع اللبناني وتوريات قبيحة لعمولات سماسرة لبنانيين تبطن ارتهانا سياسيا وامنيا عند الأميركي والسعودي والقطري رغم صراخ المتورطين بها عن السيادة والحرية كما جرت العادة.