من الصحف الاسرائيلية
كشفت الصحف الاسرائلية النقاب عن وثيقة وضعتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، وحددت فيها غايات السياسة الخارجية للعام 2019، وركزت هذه الوثقية بالأساس على إيران ومواجهتها في الحلبة الدولية وخاصة بكل ما يتعلق بالاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، كما تناولت الوثيقة العلاقة مع الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن من خلال دول عربية “براغماتية “.
وبحسب الوثيقة التي نشرتها صحيفة هآرتس فإن على إسرائيل “إنشاء منظومة ضغوط تضمن التوصل إلى اتفاق (نووي) معدل يوفر ردا على العيوب في الاتفاق القديم”، وكانت وثيقة الغايات للعام 2018 قد حددت الهدف في هذا السياق بـ”ترسيخ خطوط حمراء” و”لجم إيران من التقدم في برنامجها النووي، قبل أي شيء آخر” وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يتولى منصب وزير الخارجية أيضا صرح في عدة مناسبات أنه من أجل “تصحيح” الاتفاق النووي “يجب قلبه”.
ليس رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اسحاق رابين وحده الذي أحبط اتفاقيات أوسلو، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل 25 عاما وإنما أحبطها خلفه، شمعون بيرس بسياسته والخطوات التي رفض تنفيذها في أعقاب اغتيال رابين وتوليه رئاسة الحكومة، وفقا للحلقة الثالثة والأخيرة من البرنامج الوثائقي “يوميات أوسلو” التي بثتها قناة “ييس دوكو”.
ويصور نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق والمفاوض الإسرائيلي المركزي، يوسي بيلين، حالة تراجيدية في أعقاب تسلم بيرس منصب رئيس الحكومة. وقال بيلين إنه قبل اغتيال رابين بخمسة أيام، وتحديدا في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1995، توصل إلى اتفاق مع رئيس إدارة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير في حينه، محمود عباس (أبو مازن). وشمل الاتفاق حلولا لجميع القضايا بين الجانبين: اتفاق على تبادل أراض، بحيث تضم إسرائيل إليها 4.5% من مساحة الضفة مقابل زيادة مساحة قطاع غزة؛ تشكيل لجنة تعمل على وضع الصيغة النهائية لاتفاق دائم في القدس التي ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية؛ عباس وافق على ألا يكون جيشا للدولة الفلسطينية. وقال بيلين في البرنامج الوثائقي إن “الترتيبات الأمنية كان الموضوع الأوضح والأبسط، ولم يكن هناك نقاش أبدا”؛ وفيما يتعلق بقضية اللاجئين، فقد تقرر أن تسمح إسرائيل بعودة لاجئين على أساس إنساني أو لم شمل عائلات.
وبحسب بيلين، فإنه “في 31 أكتوبر كان هناك حل لكافة القضايا”، وأنه عيّن موعدا للقاء مع رابين مساء يوم السبت، 11 تشرين الثاني/نوفمبر. لكن رابين اغتيل في يوم السبت الذي سبقه، ولذلك التقى بيلين مع القائم بأعماله، بيرس. ووصف بيلين بيرس أنه “كان مصابا بنوع من الصدمة“.
وقال بيلين إنه كان يعتقد حينها أنه بالإمكان التوصل إلى اتفاق دائم وأن الجمهور الإسرائيلي سيؤيد اتفاقا كهذا. “لدينا أغلبية مؤيدة في الجمهور. كانت أغلبية جنونية، جنونية. فرق 25 عضو كنيست لصالح حزب العمل. لقد كانت هذه لحظة تاريخية حقا”. لكن يستدل من أقواله أن بيرس كان مذعورا وأهدر فرصة التوصل إلى اتفاق دائم. وقال لبيلين إنه ربما يتم التوصل إلى اتفاق دائم كهذا بعد الانتخابات، التي جرت في العام التالي، 1996. وسوغ رفضه لاقتراح بيلين بأنه ليس لديه تفويضا لخطوة بعيدة الأمد كهذه.
لكن بيرس خسر هذه الانتخابات لصالح زعيم حزب الليكود اليمين، بنيامين نتنياهو، الذي أصبح رئيسا للحكومة. ووفقا لصحيفة “هآرتس” اليوم، الأربعاء، فإن الادعاء في البرنامج الوثائقي هو أن بيرس لم يتصرف كسياسي يتطلع إلى الفوز بالانتخابات، بل أنه أدار حملة انتخابية ضعيفة، وارتكب كافة الأخطاء السياسية الممكنة. وعشية الانتخابات ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة قانا الأولى في لبنان. وبدا بيرس كمن أصيب بصدمة القتال. وبعد رفض بيرس إبرام اتفاق دائم، اتصل بيلين مع عباس وقال له إنه “لا يوجد لديك جانب إسرائيلي حاليا“.
كتب الباحث في معهد ترومان في الجامعة العبرية في القدس، روني شاكيد، في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، أنه “في ميزان الربح والخسارة، وبنظرة إلى 25 عاما منذ اتفاق أوسلو و50 عاما منذ الاحتلال، وبوجود حكم اليمين في إسرائيل، فإنه بالإمكان توجيه التحية إلى الموقعين على اتفاق أوسلو، بسبب الواقع الراهن في المناطق (المحتلة)، المريح للغاية لإسرائيل. وليس بسبب التوقيع على الاتفاق، وإنما بسبب وقف تطبيقه“.
واعتبر شاكيد أن “اتفاق أوسلو لم يمت، وإنما هو حي ويتنفس. ورغم أن بنوده الأولى لم تطبق، لكن الواقع الذي أنشأه كان في صالح إسرائيل: تكلفة احتلال المناطق أصبح أرخص بكثير. إقامة الكيان الفلسطيني الدولتي أعفى حكومات إسرائيل من عبء الصيانة المتواصلة للمناطق، وليس من الناحية الاقتصادية فقط – أي التعليم والصحة والتشغيل والبنية التحتية والرفاه – وإنما بالأساس من العبء الأمني الهائل. فالتعاون الأمني الذي وُضعت مبادئه في أوسلو، متواصل بنجاح في السنوات الـ15 الأخيرة وإسرائيل راضية عنه“.
كذلك أضاف شاكيد، وهو مراسل ومحلل سابق للشؤون الفلسطينية، أن “أوسلو المقلص لم يمس بالقدس، التي بقيت موحدة؛ حق العودة لم يطبق؛ لم يتم رسم الحدود في شرق الدولة؛ مناطق سيطرة الفلسطينيين ليست متواصلة جغرافيا، وإنما هي جيوب“.
وأكد على أن “الاتفاق لم يعرقل المشروع الاستيطاني. والحقيقة هي أنه منذ أوسلو تضاعف عدد المستوطنين أربعة مرات. كان عددهم 115 ألفا عندما جرى التوقيع على الاتفاق، بينما عددهم اليوم 450 ألفا تقريبا. ومعارضة اليمين لأوسلو لم تنبع من الإرهاب، وإنما من الخوف من تسليم مناطق أرض إسرائيل للفلسطينيين. وحتى أنه استغل الإرهاب من أجل بناء المستوطنات بذريعة ’رد صهيوني لائق“.
ولفت شاكيد إلى أن اتفاق أوسلو أنشأ واقعا مقطع الأوصال في الضفة، يتمثل بتقسيمها إلى مناطق “أ” و”ب” و”جـ”، وحيث لا توجد للسلطة الفلسطينية سيطرة حقيقية في المنطقتين الأخيرتين اللتين تشكلان 82.8% من مساحة الضفة، وتنفذ إسرائيل فيهما “الضم الزاحف“.