سورية ولبنان والأجواء الواحدة
غالب قنديل
مرة جديدة تعبر الطائرات الحربية الصهيونية الأجواء اللبنانية لتقصف منها مواقع داخل الأراضي السورية ولتذكرنا بأننا بلد مسيب أمام الاعتداءات الصهيونية رغم امتلاكنا لمقاومة ردعت العدو برا وبحرا وحرمت عليه المغامرة بعدوان جديد وهو بات يجري ألف حساب لشن حرب على لبنان بفعل معادلات الردع وتعاظم قوة المقاومة التي زادت قدراتها وخبراتها في السنوات الثماني الأخيرة.
الغارات المتكررة من اجواء لبنان تبدو في الواقع مفارقة سوريالية والأشد إثارة للانتباه هو بلادة التعاطي اللبناني الرسمي مع هذه الاستباحة للكرامة الوطنية ولمباديء السيادة والاستقلال وبغض النظر عن الجدل في مضمون العلاقة اللبنانية السورية التي تحتم مبدئيا ومن الناحية الأخلاقية والمصلحية اعتبار الصراع ضد العدو الصهيوني قضية مشتركة ومن غير الحاجة إلى استرجاع نصوص الاتفاقات الموقعة بين البلدين والتي ما تزال سارية المفعول منذ حقبة ما بعد اتفاق الطائف وفي ظل حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي وقع العديد من الاتفاقات الثنائية الدفاعية والأمنية مع الشقيقة سورية.
في ظل المساكنة السياسية داخل السلطة بين محوري المقاومة والهيمنة والتبعية تسود غلبة حاسمة لخيارات قوى الوصاية الأميركية السعودية على لبنان رغم ان تلك القوى هي في الوقت نفسه خاضعة على مضض ونتيجة العجز لمبدأ وجود المقاومة ودورها الدفاعي مع تسجيل اشتراكها في تهيئة وتنفيذ جميع الضغوط الأميركية الغربية والخليجية الهادفة لتطويق المقاومة وإضعافها واستنزافها لمصلحة العدو.
الحاصل عمليا هو الربط الأحادي للسياسة الدفاعية اللبنانية بالولايات المتحدة تحت ذريعة الشراكة في مجابهة الإرهاب بينما تحظر واشنطن جهارا تزويد الجيش اللبناني بأي سلاح يصلح لمواجهة العدوان الصهيوني أولإبطال فاعلية سلاح الجو المعادي وعربداته في السماء اللبنانية السورية الواحدة التي هي نتاج قدر الجغرافية الذي لا راد له.
هي صورة مخالفة لأي منطق ان يكون لبنان في مجابهة العدو الصهيوني وخاضعا بالمقابل لإملاءات دولة عظمى هي الحليف الأبرز لكيان العدو الغاصب ومصدر تزويده بأحدث الأسلحة بينما تمنع عن لبنان البديهيات الدفاعية كما تحظرعليه تنويع مصادر السلاح فهي تفرض على لبنان القطيعة مع كل من روسيا وإيران في مجال تسليح الجيش اللبناني رغم عروضهما المتكررة لتزويده بما يحتاجه لحماية لبنان ولمنع الاستباحة الصهيونية الوقحة والمتمادية.
الخضوع للوصاية الأميركية السعودية لم يعد امرا مقبولا ويتحول الصمت على الاعتداءات الصهيونية المتكررة نوعا من التواطؤ مع العدو الصهيوني ضد الشقيقة سورية ودعما غير مباشر لعصابات الإرهاب التي يقاتلها الجيش العربي السوري وبالتالي إخلالا بمصالح لبنان الوجودية والاستراتيجية.
تعرف الولايات المتحدة التي تجول سفيرتها على المقار الرسمية ان الطيران الصهيوني يستعمل الأجواء اللبنانية لعرقلة تحرك الجيش العربي السوري نحو تحرير إدلب من عصابات القاعدة والموقف الرسمي الأميركي برمته ليس سوى دفاع عن هذه العصابات ومحاولة للاحتفاظ بها على الأرض لاستنزاف الدولة السورية وقواتها المسلحة ولتأخير انتقال سورية إلى أولوية الكفاح لطرد الاحتلال الأميركي من الأرض السورية بكل الوسائل المتاحة.
كتب السيناتور الجمهوري رون بول قبل أيام مقالة يقول فيها إن التهديد الأميركي لسورية هو انحياز صفيق ومشين لعصابات القاعدة ونستطيع بالمنطق نفسه القول ان التغاضي اللبناني عن الغارات الصهيونية التي تستهدف مواقع الجيش العربي السوري وحلفائه هو تسهيل سافر ومشين ومخجل لما تقوم به إسرائيل في سبيل حماية فلول داعش والقاعدة داخل سورية.
آن للبنان وقف المهزلة السمجة والمبادرة بقرار لمجلس الدفاع الأعلى بالتحرك على خطين هما التنسيق مع الجمهورية العربية السوية لطلب مد نطاق جدارها الصاروخي للدفاع الجوي نحو الأجواء اللبنانية ولتحريك اتصالات مباشرة مع موسكو وطهران لطلب تزويد جيشنا ببطاريات صواريخ مضادة للطائرات وبمحطات الرادار الضرورية لذلك فمن سيبادر لانتشالنا من مستنقع العار؟!
نحن وسورية سماؤنا واحدة وتلك حقيقة لا يقررها البشر فهي ازلية سرمدية وقديمة قدم الكرة الأرضية والعصور الجيولوجية الأولى وعبثا ينكر المتآمرون فإلى متى؟ …أليس للصبر حدود؟