ملاحظات عون على الصيغة الحكومية: لا عدالة ولا مساواة: داود رمال
لم يكد يخرج الرئيس المكلف سعد الحريري من القصر الجمهوري، أول من أمس، ومن بعده صدور بيان المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية بعباراته المقتضبة «والكثيرة الرسائل والمضامين»، حتى بدأت «جوقة المحبطين والقارئين في النوايا بخلفيات السوء» في بث الشائعات والتحليلات الجاهزة عن موقف الرئاسة الاولى من «المغلف الابيض» الذي حمله معه الحريري وأبقاه في بعبدا .
غداة تسليم الرئيس المكلف سعد الحريري أول صيغة «مبدئية» حكومية إلى الرئيس العماد ميشال عون، اعتصمت رئاسة الجمهورية بالصمت «إفساحاً في المجال أمام تكوين المولود الحكومي بكامل عناصره وأعضائه»، لكن مصدراً مواكباً لحركة الاتصالات كشف أن رئيس الجمهورية لم يرفض الصيغة المبدئية التي حملها الرئيس المكلف الى قصر بعبدا «بل أعطى ملاحظاته الجوهرية عليها بهدف إبقائها قابلة للحياة والتطوير بما ينسجم مع موجبات المصلحة اللبنانية العليا».
وأوضح المصدر أن الملاحظات التي سجلها رئيس الجمهورية تمحورت حول المعايير ـــــ الثوابت الآتية: عدالة التمثيل، عدم التهميش، احترام الأحجام وعدم الاحتكار، حكومة وفاق وطني تعكس نتائج الانتخابات النيابية.
ما حصل، يضيف المصدر، أن «الصيغة المبدئية» التي حملها الحريري شابها الآتي:
1- عدم وجود عدالة ومساواة في توزيع الحقائب الخدماتية، مثلاً تضمنت الصيغة منح «تكتل لبنان القوي» حقيبة خدماتية واحدة (الطاقة والمياه) بينما منحت «كتلة الجمهورية القوية» حقيبتين خدماتيتين (التربية والعدل)، علماً بأن «لبنان القوي» يتوزع نوابه على 15 دائرة انتخابية وحاز حقيبة خدماتية يتيمة (الطاقة)، فكيف يتصدون لمطالب ناخبيهم على مساحة لبنان، بينما «كتلة الجمهورية القوية» يتوزع نوابها على 5 دوائر وحظيت بحقيبتين خدماتيتين، كما لم يعط رئيس الجمهورية حقيبة خدماتية، بل انتزعت منه حقيبة العدل، كما أن كتلاً نيابية كبيرة أخرى لم تحظ بحقائب خدماتية مثل «كتلة التنمية والتحرير»، وكل الكتل الاساسية أدرج في حصتها وزراء دولة إلا القوات اللبنانية، فعلى أي اساس اعتمدت هذه المقاربة؟ ولماذا تم حشر كل وزراء الدولة المسيحيين ضمن حصة رئيس الجمهورية و«تكتل لبنان القوي»، بينما لا وزير دولة ضمن حصة الآخرين، وتحديداً القوات؟
2- عدم عدالة التمثيل. هنا تكفي الاشارة الى حصر تمثيل المكوّن الدرزي بفريق واحد (الحزب التقدمي الاشتراكي)، وحجب التمثيل عن جزء وازن من الدروز الذين غيّبوا ولم يمثلوا في «الصيغة المبدئية»، فما هو التبرير السياسي لهذا التغييب؟ وعلى المستوى السنّي، هناك نسبة لا بأس بها من السنّة (المعارضين للحريري) حجب عنهم التمثيل، وبالتالي أصبحت عدالة التمثيل غير موجودة، وتمّ تهميش أفرقاء آخرين لديهم حضورهم الوازن في مجلس النواب.
3- لا يمكن اعتبار «الصيغة المبدئية» في حال الموافقة عليها هي صيغة حكومة الوفاق الوطني أو الوحدة الوطنية التي ينادي بها رئيس الجمهورية، في ظل تهميش واستبعاد كتل معتبرة ممثلة في مجلس النواب، فكيف يكون الوفاق الوطني ونسبة وازنة من النواب من كل مكونات الطيف الطائفي والمذهبي اللبناني غير ممثلة في الحكومة الجديدة؟.
المشكلة في الحقائب والتمثيل وممنوع الانقلاب على نتائج الانتخابات
4- استناداً الى عملية توزيع الحصص والحقائب في «الصيغة المبدئية»، فإنها لم تحترم نتيجة الانتخابات النيابية التي أجريت للمرة الاولى في تاريخ لبنان منذ الاستقلال وفق القاعدة النسبية، ما يعني الانتهاء الى غير رجعة من حكومات ائتلاف الأكثريات التي كانت تحصد كل مقاعد البرلمان وفق القاعدة الأكثرية، وبالتالي، فإن عدم عكس نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في التمثيل الحكومي هو عملياً بمثابة إطاحة نتائج الانتخابات وانقلاب على القانون وفق القاعدة النسبية.
وأكد المصدر «استمرار التواصل والتشاور في كل الاتجاهات لإزالة الثغرات الاساسية من الصيغة المبدئية لكي تصبح قابلة للحياة بعد إبصارها النور»، ويسجل المصدر استغرابه «لكلام البعض عن عدم حق رئيس الجمهورية في إبداء ملاحظات على التشكيلة الحكومية، بينما الدستور واضح في تكريس شراكة الرئاسة الأولى في السلطة التنفيذية من خلال ترؤسه مجلس الوزراء ساعة يشاء وإدراج بنود من خارج جدول الاعمال وتوقيع مرسوم تأليف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وهو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والقائد الاعلى للقوات المسلحة، والوحيد الذي يقسم اليمين على الدستور ويفاوض في عقد المعاهدات الدولية، ويخاطب مجلس النواب ويدعو مجلس الوزراء استثنائياً إلى الانعقاد كلما رأى ذلك ضرورياً ويردّ القوانين والمراسيم …».
ويسأل المصدر «إذا كانت كل المواد المدرجة في صلب الدستور، التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية الواضحة والتي لا تحتمل التأويل أو التهميش، ويقال إنه ليس شريكاً، فبماذا يكون شريكاً؟ من الطبيعي أن يحدد معايير لتشكيل الحكومة، لأن هذه الحكومة هي حكومته وهي التي ستحكم. وعلى الرغم من أن المشكلة هي في الحقائب والتمثيل، إلا أن الرئيس عون ترك الباب مفتوحاً على الإيجابيات ومن أجل المزيد من التشاور».
رؤساء الحكومات يردّون على عون: فرضُ أعراف جديدة
في بيان هو الثالث، في أقل من ثلاثة أشهر، ردّ رؤساء الحكومات السابقة: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام على البيان الصادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، بعد تسلّم الرئيس ميشال عون من رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري صيغة مبدئية للتشكيلة الحكومية.
واعتبر الرؤساء ميقاتي والسنيورة وسلام أن «إشارة هذا البيان الى الأسس والمعايير التي كان حدّدها رئيس الجمهورية لشكل الحكومة إنّما هي إشارة في غير محلها، لأنها تستند الى مفهوم غير موجود في النصوص الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومات في لبنان»، مشيرين الى أن الدستور نصّ في مادته الثالثة والخمسين على أن رئيس الجمهورية يسمّي رئيس الحكومة المكلّف استناداً الى استشارات نيابية ملزمة، ويُصدِر بالاتفاق معه مرسوم تشكيل الحكومة. «ولم يتحدث الدستور عن أي معيار خلاف ذلك». وقال البيان: «نصّ الدستور في المادة 64 منه (البند 2)، على أنّ رئيس مجلس الوزراء (رئيس الحكومة المكلّف)، يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وفي ضوء هذه الاستشارات، وما يتكون لديه من معطيات ومواقف ومطالب لمختلف الكتل السياسية، يضع رئيس الحكومة المكلّف مشروع تشكيل الحكومة، دون أن يكون مقيداً بمعايير مسبقة، خارجة عن أحكام الدستور، تحكم أو تحدد مسار عمله».
(الاخبار)