سورية ومعركة مستقبل العالم
غالب قنديل
منذ انطلاق العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي على الجمهورية العربية السورية كان واضحا ان هذا العدوان هو الفصل المركزي في هجوم أميركي شامل لتثبيت منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة ويتصل مباشرة بسعي الإمبراطورية الأميركية لتثبيت الهيمنة الأحادية على العالم ومقاومة الاتجاه العالمي نحو صد الغطرسة الإمبراطورية لإقامة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.
هدف الحروب الأميركية منذ العراق وأفغانستان كان ترهيب المتمردين على الهيمنة الأحادية وتثبيت ميزان القوى الذي يكرس الطغيان الإمبراطوري في العالم وكانت الحرب على سورية انطلاقا من كونها قلب محور المقاومة والاستقلال في الشرق وعموم الوطن العربي.
جمعت الولايات المتحدة في حربها على سورية بين استراتيجيتي الغزو المباشر والحرب بالوكالة لأنها اعتبرت تدمير سورية وتركيعها اهم عمل تستطيع القيام به لحماية إسرائيل من خطر تعاظم قدرات قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي احتضنتها سورية منذ اكثر من أربعين عاما وفق استراتيجيتها التي رسمها الزعيم الراحل حافظ الأسد وطورها على نحو نوعي منذ العام 2000 القائد المقاوم بشار الأسد ربطا بطوح استراتيجي عبر عنه بفكرة البحار الخمسة جاعلا من سورية محور صناعة التوازن الدولي الجديد.
مشروع الحرب الأميركية الأطلسية الصهيونية الرجعية ضد الجمهورية العربية السورية ينطوي منذ البداية على خوض مواجهة تاريخية لتكريس هيمنة القوى الاحتكارية الاقتصادية والمالية الأميركية وذراعيها العسكري والدبلوماسي المسيطرين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي على البحار والمحيطات في الكرة الأرضية من خلال نشر قوات أميركية خاصة في اكثر من مئة وأربعين دولة في القارات الخمس وتنظيم حروب بالواسطة وغزوات عسكرية في العديد من المناطق إضافة إلى هيمنة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة وحيث سخرت تلك القدرات جميعا لفرض خضوع المنطقة العربية للهيمنة الصهيونية.
في سورية وانطلاقا منها واعتمادا عليها تجمعت قوى الشرق الصاعدة صاحبة المصلحة في مقاومة الهيمنة وفي التمرد على المشيئة الاستعمارية وحول سورية انعقد لواء الشرق الجديد الذي يضم روسيا والصين وإيران وتسنى بفضل نهج القائد بشار الأسد جذب تلك القوى العملاقة وانخراطها في مستويات متعددة بواجب الدفاع عن سورية قلعة الكفاح ضد الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم.
في قلب هذه الملحمة التاريخية التي تخوضها سورية تجمعت اهداف الاستقلال والتنمية والتحرر من السيطرة الغربية الصهيونية على البلاد العربية التي اخضعتها حكومات عميلة للنهب والسيطرة والاستباحة وسخرت إمكاناتها في العدوان على سورية التي تلقت الطعنات قبل ثماني سنوات من جميع الحكام الجاحدين والعملاء الذي أرادوا الثأر من خيباتهم بالحرب على الدولة العربية الوحيدة التي رفعت راية التحرر ودافعت عن استقلالها وكرامتها ورفضت الاعتراف بالكيان الصهيوني او الخضوع لشروط صفقاته المسوقة اميركيا بكل إباء وعنفوان قومي.
سورية تخوض معركة العالم كله للانعتاق من الهيمنة الاستعمارية ومعركة كل عربي للتحرر من الطغيان الغربي الصهيوني الرجعي وهي تتحرك بصلابة وثقة إلى الفصول الحاسمة من دفاعها عن استقلالها وعن الكرامة القومية كما كانت على مر الزمان.
ستنبثق من هذه المعارك الفاصلة الباقية لنهوض الدولة الوطنية سورية العروبة القوية الواثقة ومن حولها حلفاء وشركاء صادقون جمعتهم معمودية الكرامة ودماء الشهداء وعهود الحرية لبناء عالم متحرر من الهيمنة والسيطرة والابتزاز والتسلط.
إنه مخاض ولادة الشرق الجديد وتشكل عالم جديد اكثر توازنا وعدالة وهي عمادة محور المقاومة الحاضن لقضية فلسطين ولنهج التحررالعربي من الهيمنة والتسلط الصهيونيين وسوف تثبت سورية المنتصرة انها واسطة العقد في هذا الشرق تجمع من حولها روسيا والصين وإيران وحركات المقاومة ودولا عديدة تتمسك باستقلالها وكرامتها تقودها حكومات حرة.
ستنبثق من هذه المعركة شبكات عابرة للحدود تجسد الشراكات الواعدة وتفرض معادلات جديدة وليفهم المخدوعون العرب بالجبروت الأميركي ان ما يجري من سورية وفيها ليس تفويضا اميركيا لروسيا بل هو خضوع لما فرضه الصمود السوري من تغيير لموازين القوى العالمية وليسجل العالم ان هذا المشهد تتصدره بصمة سورية تاريخية سطرها شعب أبي شجاع وجيش باسل بطل وقائد عظيم حكيم بطل هو الرئيس بشار الأسد ومن سيؤخر اعترافه بالحقائق سيدفع كلفة تخلفه عن ركب تاريخي مظفر.