أربعون عاماً والصدر غياب… وبري طيف الإمام: ناصر قنديل
– لم يكن في حساباتك سيدي لأي دور رجاء، ولا كان في حسابك أن يكون كما كان الوفاء. فعند أمثالك كما في الصلاة لوجه الله يكون الأداء، عذراً أننا لم ننصفك إلا في الغياب، ولم نقرأ بين سطور كتابك إلا بعدما ذقنا مر العذاب، ولم نعرف كم خسرنا مع إشراقة زرقة عينيك، ومعنى الصلاة والدعاء بين يديك، لكننا سيدي وبعد أربعين عاماً بلغت الغيبة فينا سن الرشد، فاكتشفنا أننا كشفناك، وجعلناك هدفاً للمتربصين، وأنت المترفع حتى الزهد، وفيك عرفان النساك، وبوصلتك اليقين .
– لكن الله الذي يبلي يعين، كان بنا رفيقاً وشديد اللين، فقد انتقى تحسباً من بين الصفوف نبيهنا، وخبأه في عباءتك تفيئه وتفيئنا، جعله قرشنا الأبيض ليومنا الأسود، يوم تنكشف صدورنا، نستعين به وبحروف اسمك وبالكتمان على قضاء أمورنا، يوم جاء عدونا الأقرب يقابل تاريخنا الأبعد، وتخلى عن نصرة الحق سادة البلاد، بلادنا التي أحببت من البحر إلى الجبل، وحرست التعدد فيها بماء المقل، وبلادنا التي رهنت دمك وروحك لتكون حرة، من البحر إلى البصرة، ومن طنجة إلى صحرائنا المرة، ومن أنطاكية حتى نهاية حبل السرة، وأنت تنطق بلغة القرآن، وتقول لقد جعله عربياً فتذكروا، والقدس قدسكم فتحضروا، والسلاح زينة الرجال فلا تتذمروا، وتكتب بسحر البيان ولست بساحر، كونوا كموج البحر، فهذا قدر الثائر.
– ثورتك سيدي ليست ككل الثورات، فبلا ضجيج كانت الانتصارات، رحل المارينز وسقط الاحتلال، دون أن ندري كيف تتحول الدماء إلى تعويذة النصر، وكيف تفك طلاسم السحر، وكيف يخرج من عباءتك الرجال، هكذا كانت المقاومة وكانت الانتفاضة، ونبيهك بيننا يفيض في الاستفاضة، لا تترهلوا، لا تترجلوا، عمل اليوم لا تأجلوا. فقد دقت ساعة التحرير، وتقرير المصير، كونوا أشداء في الحرب فأنتم جند الإمام، وكونوا لأهلكم مهما اختلفتم البرد والسلام. فهذه هي الوصية، وهذا مفتاح القضية.
– أربعون عاماً وهو طيفك الدائم بيننا، يسدد أمامك عنا ديننا، لا يلين ولا يهون، ولكنه اللين في تبديد الشكوك والظنون، حول الوطن، ووأد الفتن، وتخطي المحن. مثلك كان ليبقينا، وبعض منك فينا، يتقمص لسانك والخطاب، والروح والكتاب، ونسير في خطاه نعد خطوك، مخطئ من ظنّ أنه يستطيع محوك، فكل ما أنجزنا هو بعض نبضك، فقمر الثورة التي أشعلت لا يعرف الخسوف، وشمس الوطن التي أضأت لا تعرف الكسوف، والمقاومة التي أسست لا تهزّها متغيرات ولا ظروف.
– أنجبت التوائم، فكان لكل ظرف توأم ملائم، يتشاغبان لكنهما في الملمات واحد، من صلب فكرك هما، مهما كاد العدو والعميل أو توهما، يقرآن في كتابك حروف الله، وشعبك يهتف لبري ونصرالله، حتى حار بنا كل عدو وغار كل أخ وصديق، وتلاحمت الأقدام والأعلام في الطريق، وفي الغياب الأربعين والحضور الأربعين، بك نستعين ولك بالنصر ندين، ونرفع أيدينا للدعاء، أن تسدّد بدعائك المسيرة وتبدد كل قلق أو حيرة، آمين.