التصعيد الأميركي لن يعرقل الحسم
غالب قنديل
من يعرف عقل ومنهجية الرئيس بشار الأسد واستراتيجيته المبنية على التمسك باستقلال سورية وبمكانتها كقوة إقليمية مقررة تناهض الهيمنة والتبعية يدرك مدى الرعب الصهيوني من انتصار الجمهورية العربية السورية الذي يقترب من فصوله الحاسمة مع مشهد الحشود العسكرية السورية التي تحكم الطوق على فلول القاعدة في إدلب والأرياف المتصلة بها من محافظات حلب واللاذقية وحماه .
يعلم سائر المفاوضين الدوليين والعرب والوسطاء الذين زاروا دمشق بتكليف أميركي وهم كثر يتقاطرون إلى العاصمة السورية مؤخرا مدى تصميم الدولة الوطنية السورية على تحرير كل حبة تراب من الوطن وإصرارها المبدئي على استرجاع كل حبة تراب محتلة الآن وسابقا سواء في الجنوب او في الشمال والشرق وهي أصرت منذ بداية العدوان الاستعماري على التعبير عن ذلك بلغة صارمة خالية من أي مسايرة اتجاه التدخل التركي الذي اعتبرته احتلالا وعدوانا وكذلك اتجاه الاحتلال الأميركي الذي تصمم على وجوب جلائه وهي تعتبر علانية كل مبادرة مقاومة سورية لفرض الانسحاب على الغزاة كائنا من كانوا مبادرة وطنية وقومية تستحق الدعم والاحتضان وتتكامل مع كل جهد تحريري يقوم به الجيش العربي السوري دفاعا عن الوطن والسيادة الوطنية.
اما الاحتلال الصهيوني فطرده واقتلاعه هو التزام سوري متجدد يرتبط بقضية الاستقلال والتحرر ورفض الهيمنة واعتناق المقاومة وذلك هو قلب هذه المنظومة الفكرية والاستراتيجية السورية التي يتم العمل من خلالها للقضاء على فلول عصابات الإرهاب والتكفير ادوات العدوان الاستعماري وعملاء الكيان الصهيوني والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
في إدلب وجوارها كما في كل سورية تحركت القيادة السورية بين حدي الحسم العسكري المستحق وفتح أبواب التفكيك والاحتواء السلمي عبر إلقاء السلاح في مسار المصالحات والتسويات التي لم تغلق أبوابها أبدا ومنذ بداية العدوان ضمن منطق الرئيس بشار الأسد وأسلوبه القيادي الذي أثبت جدواه بضرورة تعامل الدولة مع ابنائها ومواطنيها بطريقة منح فرص التراجع عن التورط في حمل السلاح في خدمة الخطط المعادية للوطن وللدولة الوطنية وهو ما أتاح في السنوات الثلاث الأخيرة استرجاع عشرات آلاف المتورطين الذين يقاتل كثير منهم راهنا في صفوف الجيش العربي السوري والقوات الرديفة.
يستشعر المخططون الأميركيون والصهاينة بكارثة تهدد خططهم ومصالحهم وكامل منظومة الهيمنة في المنطقة مع اقتراب انتصار سورية في إدلب ونجاح الجهد الروسي الإيراني المبذول لمنع تركيا من التورط في القتال إلى جانب عصابة القاعدة ومثيلاتها ولصد الشهية العثمانية بالتدخل في شؤون سورية الداخلية ولكبح اوهام انقرة عن حجز حصص من النفوذ في مستقبل سورية السياسي وتوازناتها كما يتخيل أردوغان منذ تورطه الواسع في تدبير العدوان على سورية الذي شاركت فيه حكوماته وقدمت القواعد ومعسكرات التدريب ومستودعات السلاح وغرف العمليات الأطلسية التي قادها رؤساء الأركان الأميركيون منذ البداية.
آلاف المجندين الأتراك في جبهة النصرة ممن أرسلتهم المخابرات التركية يتجمعون في إدلب وكذلك آلاف اخرى من عديد زمر الأخوان المسلمين تديرهم المخابرات التركية ومعهم إرهابيون بالآلاف من وسط آسيا والصين وروسيا دربتهم تركيا بأمر اميركي للتخريب في بلدانهم تحت يافطات الفصائل المتعددة.
عند الدولة السورية وكذلك عند روسيا وإيران خرائط انتشار هؤلاء ولوائح اسمية كثيفة وخطط معدة للسيطرة والتفكيك بعد تحديد ساعة الصفر بإشارة من الرئيس الأسد الذي يضع الحليف الروسي ثقله لمؤازرة حاسمة تفرض تنفيذ قراره بتحرير إدلب وهي مسألة باتت قضية روسية فاصلة.
حشدت روسيا قوات عسكرية بحرية وجوية وبرية جاهزة لردع أي عدوان اميركي بعدما تبين أن ذلك العدوان المحتمل أيا كان حجمه او مداه سيكون بمثابة اعتداء على روسيا التي لم تقصر سياسيا ودبلوماسيا وميدانيا في إفهام واشنطن انها تعتبر نفسها مستهدفة وستعامل القوات الأميركية على هذا الأساس وبالرغم من ذلك تبدي الولايات المتحدة صلافة وجلافة مستفزة وتجرجر خلفها دول الغرب الأوروبي الخانعة والتابعة برغم الحملات الكلامية الأوروبية على إدارة ترامب التي لا تنعكس في اتباع نهج مغاير للعدوانية الأميركية الغاشمة.
تل أبيب والبنتاغون وحدهما يعرفان مغزى تحرير إدلب وانتصار سورية في الشمال فاللحظة التالية حكما ستكون طلبا سوريا صارما لخروج القوات الأميركية نهائيا ودون قيد او شرط وليس من الفراغ ان تعزيزات اميركية جديدة أظهرت إعلاميا في شرق سورية بالتزامن مع قرع طبول الناتو وهدير البوارج في المتوسط.
ما يغري الأميركي بالتصعيد ان الشمال والشرق بعيدان عن خط الجبهة مع الكيان الصهيوني وبالتالي لن يخشى من تداعيات محتملة على امن الدولة العبرية التي تهدد كلاميا بالطول والعرض بينما هي انكفأت مع الراعي الأميركي وبلعت جميع تهديداتها امام زحف الجيش العربي السوري وحلفائه في الجنوب السوري ولملمت خيبتها فتركت عملاءها المفجوعين الذين منعتهم من العبور إليها كما سبق ان فعلت في الجنوب اللبناني ومن ميزهم الغرب وطلب حمايتهم نقلهم الصهاينة إلى الأردن تحت شعار انهم “الخوذ البيضاء“.
سورية ستنتصر وستردع العدوان والجيش العربي السوري سيكون قريبا سيد الميدان في الشمال كما في الجنوب قبل ان يستدير بحملته التحريرية الوطنية صوب الشرق والغد لناظره قريب.