“لا تلعبوا بالنار” وقد أعذر من أنذر
غالب قنديل
بقدر ما كانت عبارة الكلمات الثلاث قوية وحازمة فإن امتناع قائد المقاومة عن الغوص في الشرح وفي عرض التفاصيل كان مقصودا وعامدا ليس فقط بدافع تعزيز الرهبة المطلوبة امام المتورطين في مخاطرة المغامرة الجهنمية التي ألمح إلى خيوطها ومجالات تحركها داخليا وخارجيا وهو لا يتحدث جازما إلا استنادا إلى معلومات صلبة ومثبتة والمتورطون يعلمون جميع تفاصيلها التي تكتم عليها سماحة السيد.
تلك اللهجة التحذيرية هي تعبير عن تصميم السيد نصرالله على متابعة منح الفرص للمتورطين المحليين الذين لم يكف عن إمهالهم للتراجع في جميع المراحل الماضية وحتى في ذروة تورطهم بتنفيذ التعليمات الأميركية والسعودية دون ان يرف لهم جفن ولو دفعوا البلاد إلى شفير هاوية سحيقة وبالأصل يعود فضل حماية الاستقرار إلى حكمة المقاومة وقيادتها ونهجها العاقل والمتزن مقارنة بتهور الخصوم المحليين الذين يحركهم ذلك الخارج والذين لا ترقى قدراتهم غالبا إلى مستوى احتمال رد المقاومة القاطع حين تستدعي الضرورة التي تتحاشاها قيادة حزب الله دائما إلى آخر لحظة.
لقد لعبوا بالنار مرارا وكانت مواقف حزب الله وحلفائه الأقربين ترجح فرص احتواء النيران وإخمادها وخصوصا من خلال التناغم مع سائر حلفاء المقاومة من قوى الثامن من آذار وبالذات مع شريكيه الكبيرين الرئيس نبيه بري والرئيس العماد ميشال عون.
يمكن التعرف بسهولة على اللاعبين بالنار الذي قصدهم قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه بمناسبة التحرير الثاني وهم حلف ممتد تقوده الولايات المتحدة وتقع في صلبه إقليميا كل من “إسرائيل” والمملكة السعودية بينما يشمل داخليا قوى الرابع عشر من آذار التي عادت تعمل معا بطلب من ذلك الخارج والعبرة في تأجيل تشكيل الحكومة والتعليق المتكرر لتحرك الرئيس المكلف وكذلك في حملات سياسية وإعلامية تصاعدت مؤخرا وجاءت في سياقها تسريبات مبرمجة كالعادة عن المحكمة الدولية التي يخرجها الحلف نفسه تحت الطلب عندما يشاء اختبار فرص إشعال الحرائق من حول المقاومة والتحضير لجولات استهداف متواصلة للمقاومة وسورية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتحويل دمائه إلى مادة استثمار وأداة للفتنة المتنقلة.
ليس من فراغ ان يفكر المخططون الأميركيون والصهاينة باستحضار هذه اللعبة مجددا بعد هزائم عصابات التكفير في المنطقة واندحارها في لبنان خصوصا ومع تحضير القيادة السورية وحلفائها الكبار للفصل الحاسم والأهم من مسيرة تحرير سورية وخلاصها من غزوة التكفير والإرهاب التي شكلت استدراكا لهزائم الكيان الصهيوني وفشله المتواصل منذ حرب تموز.
اكتفى السيد نصرالله في هذا الخطاب بتنبيه صارم للاعبين بالنار وأنذرهم بأن تلك اللعبة ستكلفهم غاليا وقد تحرقهم بالنهاية مثلما تقول خبرة التجارب ومن استقرائه لما يدبر أننا امام خطة محتملة لاستنزاف المقاومة ورصيدها الأخلاقي والمعنوي بواسطة اداة اميركية صهيونية جهزت لهذا الغرض تحت الطلب وهي المحكمة التي لا يعترف بها حزب الله وبكل ما يصدر عنها منذ البداية وذلك الاستنزاف يأتي ضمن سياق أشمل باستخدام العقوبات والحصار والتحريض السياسي الداخلي وكذلك في صلب الخطة استهداف فخامة الرئيس ميشال عون الذي أشار قائد المقاومة إلى ان انتخابه فرض تحولا حاسما لم يكن بدونه ممكنا تحقيق إنجاز تحرير الجرود ودحر عصابات التكفير والإرهاب.
اسرائيل والغرب وأدواته الإقليمية التابعة وفي مقدمتها المملكة السعودية غارقون في متاهة الفشل والعجز وفاقدون للمبادرة ومذهولون امام انتصارات محور المقاومة في سورية ومن حولها العراق ولبنان وفي جميع الساحات الأخرى لاسيما اليمن تتوالى هزائم مشروعهم الذي اجتاح بحرائقه المتنقلة معظم البلدان العربية وحزاما إقليميا في عمق الشرق والغرب فشملت التداعيات شمال أفريقيا وغربها وباكستان وأفغانستان والهند وآسيا الوسطى وغرب اوروبا.
بعد الفشل والهزيمة والعجز عن احتواء الخسائر تداهم التحولات السياسية ذلك الحلف الدولي والإقليمي الخائب وهو يختار لبنان والمقاومة لتجريب الانتقام ولصرف الاهتمام بعيدا عن معالم الهزائم المدوية الهادرة لأنه يفترض أنه قادر على دفع كلفة نسف المساكنة السياسية التي رضخ لها هنا ولأنه لا يأبه لتحول أدواته اللبنانية إلى فرق سعر مقابل حماية معاقله المركزية لكن المقاومة تأبه وتتصرف كما فعلت دائما بوصفها أمينة على تجنيب بلدها خضات خطيرة وهي ضنينة بكل قطرة دم.
أعطى سماحة السيد فرصة للمتورطين بمقدار ما أنذرهم مع مشغليهم من العواقب التي يجيدون حسابها جميعا ويدركون كلفتها عليهم كل في موقعه وبنطاق ما قد تبلغ النيران المنوي إشعالها فكم من كوارث انطلقت بعود ثقاب في يد غبي او معتوه.