الحل الذي يتجاهله الجميع للكهرباء: ناصر قنديل
– يبلغ إجمالي ما أنفق على الكهرباء من المالية العامة قرابة نصف الدين العام المتراكم منذ العام 1990 37 مليار دولار تقريباً وإذا أضيفت لهذه المبالغ فوائدها كديون محسوبة بذاتها ربما يصير دين لبنان كله كهرباء، والمفارقة أن تولّي وزارة الطاقة من وزراء ينتمون بالتتابع لأغلب الكتل السياسية لم يحمل معه حلولاً للأزمة التي يشكل حلها باباً حتمياً لنمو الاقتصاد، وتخفيف أعباء الخزينة، أو تحريرها من الأعباء، وخدمة مركزية تقع على عاتق الدولة، أي دولة نحو مواطنيها. والمفارقة الأخرى أن سوقاً موازية تنشأ تتموضع على ضفافها القوى السياسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هي من جهة سوق المولدات التي صار بعضها بحجم مدن ومناطق، ومصدر نفوذ في السياسة والاقتصاد، وبعضها مشرعن وبعضها أمر واقع. ومن جهة مقابل سوق وكالات شركات إنشاء معامل التوليد أو بواخر الإنتاج المستأجرة، ويتبادل المعنيون بكل منها تهم الفساد .
– بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا، التي أسست البنى التحتية والعسكرية لروسيا القوية في ظل النظام الشيوعي وبقيت مصدر قوتها بعد سقوطه، كانت الكهرباء في صلب خطة زعيم تلك الثورة فلاديمير لينين، الذي يحبّه البعض ويكرهه البعض الآخر، لكن أحداً لا يغير في مكانته كبانٍ لروسيا الحديثة والقوية، وأحداً لا يستطيع الانتقاص من صفته كعبقري يدرك مفاتيح بناء الدول، فقد أطلق بعد أيام على انتصار ثورته عبارته الشهيرة أمام أول حكومة تشكلت لعموم روسيا، ويقول فيها، إن انتصار ثورتنا له معيار واحد، إيصال الكهرباء وخطوط سكك الحديد لآخر قرية في سيبيريا، لتعمّ روسيا كلها بمدنها وقراها الكهرباء وتصل إليها خطوط سكك الحديد.
– المعلوم أن الدول الصناعية والنامية، بما فيها الدول الغنية بالنفط والغاز تتجه للاعتماد في إنتاج طاقتها الكهربائية النظيفة والرخيصة على المفاعلات النووية، والمعلوم أنه خلال سنوات محدودة وقعت روسيا مع تركيا ومصر اتفاقيتين لإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بعد إنهاء برنامجها لبناء مفاعل إيران النووي ومعلوم أن روسيا كدولة منتجة لهذا النوع من المصانع الثقيلة تحتاج إلى أسواق لمواصلة عمل مصانعها التي تنتج المفاعلات وقطع غيارها.
– الواضح أن لدى روسيا استراتيجية تقضي جعل هذا القطاع واحداً من مصادر قوتها الاقتصادية وهو ما لا يفعله سواها في العالم. والواضح أيضاً أن روسيا قامت بإعداد صيغ قانونية تجارية وقعت إحداها مع إيران لإقامة منطقة حرة مشتركة لإنشاء مفاعلات توفر فرص بيع الطاقة الكهربائية لدول الجوار، والمعلوم أيضاً أن إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية يُعدّ أشد وفرة من سواه بنسبة النصف تقريباً كما يُعدّ نظيفاً بيئياً بالمقارنة مع المحروقات النفطية وأشدّ استقراراً في تحديد سعر الكلفة للكهرباء المنتجة بفك ارتباطها بسوق النفط.
– لبنان بلا فذلكة سياسية لا يحتاج للتحول لدولة نووية، كما يظن البعض من هذه المقدّمات، ولا للتموضع السياسي في محور يجلب له وجع الرأس كما يقولون أو يدخله في خلافات داخلية تنسف خطط الكهرباء، وربما تنسف كل شيء معها.
– الحل هو بتوقيع عقود تضمّ لبنان وروسيا وكلاً من إيران وتركيا ومصر ينشئ بموجبها الروس – كمنطقة حرة افتراضية لحساب بيع لبنان الكهرباء – مفاعلاً نووياً بطاقة 1000 ميغاوات في كل من إيران وتركيا ومصر تبيعه الطاقة بسعر ثابت ستدخل الإنتاج خلال ثلاث سنوات تباعاً سنة بسنة بقياس تقدّم إنشاء المفاعلات في إيران وتركيا ومصر، ويشتري لبنان خلال هذه السنوات سنة بسنة حاجته من الاستجرار من سورية ومن البواخر المستأجرة.
– سيحلّ لبنان مشكلة عجز الخزينة ويحقق وفراً على الاقتصاد الوطني بحساب ما تستنزفه المولدات، وسيتمكّن اللبنانيون من التنعّم بكهرباء الأربع وعشرين ساعة التي صارت حلماً، ويصير عقدة ربط الشبكات الكهربائية التي تلحظها كل مخططات البنك الدولي والمؤسسات العالمية والإقليمية بين الدول الواقعة في قلب مثلث مصر وتركيا وإيران، ولن يكون عرضة للأزمات بسبب تنوّع مصادره سياسياً وجغرافياً، فهل مَن يريد أن يقرأ ويفكّر ويقيم الحسابات الوطنية، التي تشكّل الكهرباء مفتاحها في السياسة والإنماء والاقتصاد، حتى يصحّ القول إنها شأن استراتيجي؟