خلفيات التلويح بحرب كبرى
غالب قنديل
نشر موقع “اميركان انترست” تقريرا مطولا كتبه مايكل آيزنشتات مدير برنامج الدراسات العسكرية في معهد واشنطن بالاشتراك مع ضابط صهيوني عامل برتبة رائد في جيش الاحتلال هو نداف بن حور الباحث في معهد واشنطن الذي أعاد نشر التقرير بالعربية على موقعه تحت عنوان “حرب الشرق الأوسط الكبرى عام 2019 “.
أولا يعرض التقرير في ثماني صفحات تفاصيل محتملة لسيناريو حرب اسرائيلية ضد لبنان وسورية مفتوحة على احتمال التوسع نحو إيران والعراق ومع إمكان تطور تداعياتها الميدانية في شبه الجزيرة العربية والخليج واليمن والبحر الأحمر والحقيقة إن هذا التصور يفترض شراكة مباشرة في التخطيط للحرب وفي قيادتها الميدانية بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول الناتو وبعض الدول العربية التي سبق لها ان شاركت في الغزوات الصهيونية الأميركية خلال السنوات الماضية بصورة مباشرة او من الباطن منذ احتلال العراق مرورا بما سمي “حرب لبنان الثانية ” ومن التفاصيل والأهداف والمسارات ينبغي القول إن هذا التصور الذي يعرضه خبيران اميركي وصهيوني برعاية معهد يديره اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ليس خيالا محضا ولا هو مجرد تهويل سياسي وإعلامي مفترض ضد محور المقاومة بل ينبغي وضعه في حساب الاحتمالات والتصرف على أساس ذلك سياسيا وعمليا.
ثانيا دائما ما حضر الكيان الصهيوني والولايات المتحدة لحروبهما الكبرى بحملات سياسية وإعلامية كرست لتهيئة مسرح العمليات ولحشد القوى وهذا ما حصل في اجتياح لبنان عام 1982 وفي غزو العراق عام 2003 وكذلك في حرب تموز 2006 ومن أهداف الحملات السياسية والإعلامية ممارسة التهويل لمحاولة فرض مساومات تحقق اهداف الحرب بالسياسة ومن الواضح مع تحولات المنطقة بعد هزيمة عصابات التكفير وتكريس توازن الردع ان تغيير البيئة الاستراتيجية المتحولة جذريا امر مستحيل دون تسديد ضربات كبرى لخطوط قوة المحور الذي بات قوة إقليمية كبرى متشعبة تنذر بقلب المعادلات رأسا على عقب وإذا كان ضرب حزب الله هدفا ثابتا لمثل تلك الحرب إلى جانب تسديد ضربات مؤلمة لإيران والعراق فإن استهداف سورية يشكل غاية حاسمة لقطع الطريق على نهوض القوة الإقليمية السورية بخيارها التحرري الواضح وبقدراتها النوعية الجديدة التي قد تكون نذيرا بمارد عربي يصعب على إسرائيل احتمال التعايش معه ومع دوره القومي.
ثالثا للتهويل بالحرب الكبرى غاية إسرائيلية راهنة هي تحفيز الضغوط التفاوضية التي تمارسها الولايات المتحدة على روسيا بشأن محاولة انتزاع تنازلات وضمانات تحت عنوان الأمن الإسرائيلي في سورية تتعلق بتواجد المستشارين الإيرانيين وقوات حزب الله والقوى الشعبية الأخرى المنتمية لمحور المقاومة التي يقدر التقرير مجموع قواها المقاتلة في المنطقة بمئتي ألف محارب مدرب تمرسوا في القتال ضد الجيوش الغازية والعصابات التكفيرية ويرى التقرير ان قسما من هؤلاء قد يبلغ خلال الحرب جبهات القتال في سورية او لبنان وربما سيكون بعضهم مكلفا وفقا للكاتبين بعمليات هجومية تشن من اليمن لتعطيل حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر خلال الحرب الصهيونية الأميركية.
رابعا إن الضغوط والعقوبات الأميركية الشرسة التي تستهدف إيران وسورية وحزب الله توفر في حساب المخططين فرصة مفترضة للاستنزاف قد تغري بخوض الحرب بعد عملية إنهاك مبرمجة لأكثر من سنة من الآن طالما لم تحقق الغاية الأصلية أي كسر الإرادة السياسية للدول والقوى المستهدفة من بين اطراف محور المقاومة وحيث تحافظ واشنطن راهنا على صيغ المساكنة السياسية في العراق ولبنان لحماية نفوذها ومرتكزات نشاطها الهادف إلى تعديل التوازنات ومراكمة العناصر المساعدة لتغيير البيئة الاستراتيجية بالتوازي مع خطة الحرب الكبرى وهي تستخدم ادوات القوتين الناعمة والخشنة في هذا السبيل والأدلة لاتعد ولا تحصى وأبرزها ما شهدته إيران مؤخرا.
خامسا يؤكد التقرير على وظيفة قوات الاحتلال الأميركي في سورية بمنع فصائل المقاومة العراقية وأي قوات إيرانية من بلوغ خطوط القتال في سورية ولبنان وهذا ما يكشف خلفية تراجع إدارة ترامب عن فكرة سحب القوات من سورية مؤخرا بعدما جاهر بها الرئيس الأميركي سابقا وربما للأمر صلة بتوقيت تحريك حملة العزل الرئاسي سياسيا وإعلاميا في الأسبوعين الماضيين لإملاء القرارات التحضيرية الملائمة عبر دفع الرئيس الأميركي المهدد بخسارة منصبه إلى الارتماء الكلي في حضن اللوبي الصهيوني والتعامل مع التعليمات والطلبات بطواعية عمياء وقد سبق ان شهدنا استلاب اللوبي الصهيوني للعديد من الرؤساء عبر إثارة الفضائح السياسية والشخصية المماثلة لما يتعرض له دونالد ترامب مؤخرا.
سادسا يفرض توازن الردع الذي يقيمه محور المقاومة بسائر اطرافه على كل من الولايات المتحدة وكيان العدو إجراء حسابات صعبة لكلفة مغامرة مثل تلك الحرب ولنتائجها لكن الطابع الاستعماري العدواني لهذا المحور المهزوم والمأزوم يفترض اعتبار الاحتمال الأسوأ أي شن الحرب قائما وواردا عبر الإعداد لخطط الدفاع والمقاومة والمبادرة المستمرة لتطوير قدرات الردع ومراجعة العديد من الحسابات السياسية الداخلية بخلفية تعزيز فرص الانتصار على العدوان إن وقع وهذا يشمل إيران وسورية والعراق ولبنان واليمن وفلسطين بما يقتضيه الاستعداد لمثل هذا الاحتمال بخطة تنطلق من تعزيز مقدرات الصمود والتهيئة لخوض معركة فاصلة في الدفاع عن الشرق وعن إرادة التحرر والاستقلال وسحق الغطرسة الأميركية الصهيونية.