عن الغزوة التكفيرية التي دحرت
غالب قنديل
بعد انقضاء حوالي السنوات الثماني على انطلاق الحرب التي شنها التكفيريون في المنطقة بدعم وتحريض من الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي في المنطقة وما نشرته من طواحين الدم وسلسلة المذابح المتنقلة والتدمير الشامل اجتماعيا واقتصاديا وبنيويا لعدد من البلدان العربية لابد من مراجعة الحقائق التي كانت مغيبة في البداية بفعل مقصود أراده المخططون بالتأكيد.
أولا أسقطت التطورات كذبة الربيع ونشر الديمقراطية التي اخترعتها الولايات المتحدة واطلقت بها وبواسطة التنظيم العالمي للأخوان المسلمين سلسلة الاضطرابات والأحداث التي اجتاحت عددا من الدول العربية وخصوصا مصر وتونس وليبيا والعراق وسورية واليمن ولبنان.
لقد استغرق احتراق الأقنعة وانكشاف زوابع الكذب والفبركة وقتا غير قليل بعدما تاه الشارع العربي في الصور الافتراضية الخادعة وانساق خلف سرابها ليصدم بعد ذلك “بالثوار” الذين تكشفوا عن لصوص وذباحين وحشود من المرتزقة في خليط متعدد الجنسيات دعمته دول الناتو وحكومات الخليج وتركيا وهي جميعا سخرت لتنفيذ الخطط والتعليمات الأميركية ولخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة منذ اغتصاب فلسطين.
ثانيا كشفت آخر فصول العدوان على سورية وجوها خطيرة لدور إسرائيل في دعم فصائل التكفير والتوحش واكدت مصداقية رواية دمشق عن الدعم الصهيوني المباشر وغير المباشر لتلك الفصائل التي قدم لها الصهاينة المساعدة اللوجستية والطبية عبر خط الفصل في الجولان بالتنسيق مع حكومات الأردن والسعودية وقطر والإمارات بينما تبرهن جغرافية المواقع السورية التي قصفها العدو الصهيوني خلال الأحداث عن تنسيق وثيق مع العصابات التكفيرية وحول خدمة مسار عملياتها المنسقة مع الموساد.
برهنت المعارك على ان دعما كبيرا ونوعيا في العتاد والتمويل والخدمات اللوجستية قدمته دول الناتو للعصابات التكفيرية التي تقوم الرواية الغربية على مزاعم استهدافها ورفض التعايش مع وجودها لكن حقائق كثيرة ظهرت في الصحافة العالمية عن صفقات سلاح بالمليارات تجندت لتهريبها وتسليمها اجهزة مخابرات دولية بينما ظهرت بعض الخيوط الخفية لعلاقة حكومات الناتو ومخابراتها بقادة عصابات التكفير وبتنظيم الأخوان الذي شكل خلال هذه السنوات الصعبة بيئة وتربة استنبات التكفير الفكرية والسياسية والتنظيمية.
ثالثا إن تكيف الجيوش الوطنية مع مستلزمات القتال لدحر الغزوة التكفيرية لم يلغ الحاجة الماسة لاستنهاض القوى الشعبية المقاتلة التي كان لها دور حاسم في صنع معادلات النصر والحسم في لبنان والعراق واليمن وسورية وقد شكل حزب الله اللبناني نموذجا ملهما في نسج وتكوين تلك القوى التي نهضت بسرعة وقامت بحمل عبء رئيسي في مهمة القتال ضد غزوة التكفير والمهم في هذه الحالة هو حملها لأولوية الصراع ضد الكيان الصهيوني بوصفها التحدي الرئيسي الذي يواجه استقلال بلداننا واستقرارها وهذا ما شكل عنصرا جديدا في توازن القوى من خلال ابداء الاستعداد المعلن للقتال على الجبهات ضد العدوان الصهيوني وتلبية نداء الواجب القومي مما يمثل بذاته تحولا مهما في حركة الوعي على صعيد البلدان العربية من شأنه المساهمة في عكس الاتجاه لصالح زعزعة منظومة الهيمنة .
رابعا اكتشف الرأي العام العربي الكثير من وجوه التزوير والتلفيق الإعلامي الذي واكب غزوة التكفير بمزاعم الثورة والثوار وسرعان ما فضحته التطورات الواقعية التي خبرها الناس العاديون ودفعتهم للانفضاض من حول القوى التي رفعت شعارات وهمية عن الحرية والتحرر لتزج بالساخطين في اتون المعارك والمذابح لحساب المشروع الأميركي الصهيوني الهادف إلى تأبيد الهيمنة على المنطقة وتدمير فرص التحرر والاستقلال.
التدبير والتحريك الأميركي الصهيوني لكل ما جرى خلال السنوات الماضية لم يعد في حاجة لأضواء كاشفة او لبراهين مضافة بعد ما تكشف من الحقائق والوقائع ولكن مخاضات الخروج من المحنة ما تزال متعرجة وصعبة بفعل ما بقي من فصول تصفية عصابات التكفير على مساحة المنطقة ونتيجة ما أعدته الإمبريالية الأميركية ومعها طابور الرجعية العربية والكيان الصهيوني لاعتراض طريق القوى الحية التي انتصرت ودحرت المخطط الدموي بهدف منعها من إنضاج قيادات مؤهلة لإعادة بناء الهوية الوطنية والقومية والتحول نحو خطة نهوض تحررية.