الخيوط السعودية الظاهرة
غالب قنديل
كرس الرئيس المكلف سعد الحريري تصريحاته الأخيرة لحملة حادة بلهجة تصعيدية ضد المنادين بوضع العلاقات اللبنانية السورية في مقدمة مهام الحكومة الجديدة ووصل الأمر حد الكلام بعيدا عن اللياقات والأصول السياسية او الدستورية بكلامه الانفعالي عن رفضه تأليف الحكومة إذا كانت العلاقة مع سورية شرطا للتأليف او هدفا له.
التصعيد الحريري فهم على انه موجه ضد رئيس الجمهورية الذي تحدث مرارا عن اعتبار استئناف الاتصالات الحكومية اللبنانية السورية مهمة مركزية للمرحلة المقبلة وهو تناول بالذات ملف عودة النازحين السوريين الذين تشكو الخطب الحريرية من وطأة تواجدهم في لبنان بينما تعهدت حملات التسول الدولية باسمهم والتزمت بمهمة منعهم من الهجرة إلى اوروبا وفي حين تسعى قوى الرابع عشر من آذار يائسة لعرقلة عودتهم إلى سورية خلافا لرغبات غالبيتهم الساحقة باعتراف مفوضية اللاجئين وكذلك تناول الرئيس عون ملف الصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية المقدرة بملياري دولار سنويا وهي تواجه مازقا كبيرا منذ تعطيل الترانزيت البري إلى العراق والأردن والخليج عبر الأراضي السورية.
كان الحريري يكرس تصريحاته السابقة للكلام عن إيجابيات مفترضة نافيا ارتباط العراقيل بضغوط خارجية وهو يعلم ان المقصود بذلك اعلاميا كان الضغوط السعودية الأميركية المانعة لأي التزام من الحكومة الجديدة بإنهاء القطيعة مع سورية كما يعلم الحريري ان تشنجه وتبنيه لشروط حليفيه جنبلاط وجعجع الخاصة بالتأليف إضافة لشروطه الرافضة لتمثيل التكتل النيابي السني الذي انتخب اعضاؤه من خارج تيار المستقبل إنما ذلك كله مكرس واقعيا بالتنسيق مع السعودية والولايات المتحدة وفرنسا لمنع قيام توازن سياسي في الحكومة الجديدة سيرجح كفة إحياء العلاقات اللبنانية السورية ويحصن خيار التمسك بالمقاومة وبمعادلة الدفاع الثلاثية عن البلاد وكلمة السر هي محاصرة سورية وحزب الله مع تشديد العقوبات ضد محور المقاومة في واشنطن.
لم يفهم الحريري مغزى الإشارة الهادئة وغير المباشرة في خطاب السيد حسن نصرالله الى تصريحه الذي بلغ بخفة سياسية حد التهديد “ما في حكومة ” منافيا القواعد الدستورية وموجباتها ومتجاوزا كل اللياقات السياسية متحصنا بابتزاز مقصود لجميع القوى السياسية المعنية وعلى إيقاع العصبية الحريرية نفسها انطلقت حملة سعودية في الكواليس لاستهداف ناقديه من الإعلاميين الذين عقبوا على استعماله لغة مستهجنة وخارجة عن الأصول في الكلام عن سورية وعن عملية التأليف الحكومي.
المعلومات المتوافرة تشير إلى أصابع التحريك السعودية خلف الحملات الحريرية التي تستهدف ناقدي مواقف رئيس الحكومة المكلف من الإعلاميين والهدف الفعلي هو ترهيب القوى السياسية في البلد وتحريم الاحتجاج على الشرط السعودي الذي نطق به الحريري في انفعاله وهو “لاحكومة إن كان شرط وجودها الاتصال بالحكومة السورية” ومؤدى هذا الكلام هو إدارة الظهر للملفين النافرين أي لاعودة للنازحين ولا عبور للصادرات الزراعية والصناعية.
المطلوب من اللبنانيين بصراحة هو الخضوع لحكم سعودي حريري مبرم باستمرار الفراغ الحكومي وتعطيل آلة الدولة اللبنانية وتعليق أي جهد منتج لمسار عودة الأشقاء السوريين النازحين إلى بلدهم وتكبيد المنتجين الزراعيين والصناعيين مزيدا من الخسائر وتبعات الكساد وإغلاق الفرص امامهم بينما بدائل منتجاتهم معروضة على أسواق العراق والخليج من مصادر أخرى في المنطقة منها تركيا ومصر.
تؤكد معلومات صحافية ان السفارة السعودية تتولى قيادة التحريض والتحريك التي يقودها القائم بالأعمال السيد وليد البخاري وهو يوزع التوجيهات ويحرك الحملات الاعلامية والسياسية وهذا يفترض تحذيرا سريعا وفق الأصول من وزارة الخارجية لإفهام البخاري بأن التلاعب بأمن البلد واستقراره ممنوع على الدبلوماسيين المعتمدين وان تأليف الحكومة والعلاقة اللبنانية السورية هما ملفان لبنانيان داخليان تقضي القوانين بمنع التدخل فيهما من قبل السفارات والبعثات الدبلوماسية المعتمدة.
تتصرف المملكة السعودية كدولة وصاية منذ الإفراج المشروط عن الرئيس سعد الحريري والنأي المزعوم اتخذ غطاء سياسيا للرضوخ لتلك الوصاية الأميركية السعودية التي تبعد لبنان عن سورية وإيران وروسيا والصين كذلك وهي منافية لمزاعم الابتعاد عن المحاور وينبغي دعوة القوى السياسية المعنية لانتفاضة كرامة والمجاهرة بأن البلد ليس مستعمرة اميركية سعودية يديرها ماكرون بالوكالة عن دول الوصاية وان ما يقرر مضمون العلاقة اللبنانية بأي دولة او جهة هو اتجاه المصالح اللبنانية ومنطقها وهذا أقل المطلوب في المعيار السيادي اللبناني الذي يتباهى به الكثيرون أليس كذلك؟