بقلم غالب قنديل

حقائق تموز من يقدمها للشباب ؟

غالب قنديل

لا حقيقة مجردة في لبنان فجميع الحقائق منتمية ومتخندقة في غابة من الجبهات والحصون الواقعية والافتراضية المتقابلة سياسيا وحزبيا وطائفيا وخلال اثنتي عشر عاما بعد حرب تموز يستمر التمني الساذج للحصول على الحقيقة عن تلك الحرب وخفاياها في وثيقة رسمية لن تصدر.

سقط التمني بفرضية التماهي مع دولة العدو او التمثل بها بالسؤال عن تقرير فينوغراد لبناني فلا قضاؤنا يجرؤ على التحرك من تلقاء ذاته خشية القصاص السياسي والطائفي ولا قوانا السياسية تبادر ولكل منها منطقه اعتصاما بالتعتيم على وجوه عديدة من الحقيقة وهي غالبا تبرر عدم كشف المستور وحتى المقاومة نفسها التي استهدفت بخطط تصفية معلنة تعتبر ان نهج الاحتواء الذي تمارسه في الحياة الوطنية اجدى لقضيتها الكبرى من أسلوب تصفية الحساب ولو معنويا ضد من تآمروا عليها.

يظل السؤال معلقا دون جواب: من يقدم الحقيقة للشباب وكيف يتشكل وعي الأجيال الجديدة عن مساحة قصيرة وكثيفة من عمر وطنها هي ثلاثة وثلاثون يوما غصت بالدماء والتضحيات وبالتهجير الجماعي وبالدمار والتوحش وبالسجالات السياسية والصخب الإعلامي وكيف سيتبين الأبيض من الأسود في ذلك الخليط السوريالي الذي قدم نماذجا وصورا لصراعات داخلية فعلية ومستبطنة في قلب الحرب الصهيونية السافرة وداخل ثناياها؟

لا تحقيق فعليا في تلك الحرب يسمح به في الجمهورية غير المستقلة والموضوعة تحت الوصاية الأجنبية اقتصاديا وماليا وسياسيا والمحكومة باستمرارها نتيجة ارتباط نخبتها المالية الحاكمة بالغرب الاستعماري وبمستعمراته في الخليج وبفعل تواضع المقاومة المنتصرة التي رفضت ان تحول انتصار تموز إلى فرصة لحسم سياسي داخلي ضد الخصوم وآثرت التكيف الوقائي الذي درجت عليه مراعاة لواقع الانقسام الطائفي والمذهبي الذي يقيدها ويبتز نزعتها التحررية والاستقلالية على مدار الساعة ويضطرها لإجراء مساومات مؤلمة مع زعامات وقوى واحزاب تكشف وحدها وتحفظ وحدها ما يفوق الوصف عن وقائع تآمرهم عليها وسعيهم إلى تصفيتها خلال تلك الحرب ولكنها بعد انتصارها الباهر الذي انكروه راقصتهم على حافة الهاوية متعالية على الطعنات.

إذا أخرجت المقاومة ملفاتها وأفصحت عن روايتها ستكون فضيحة كبرى لا توصف يرتجف خوفا منها جميع من تشملهم وهم زبدة النادي السياسي الحاكم في البلد وصفوة المتحكمين بالشعب اللبناني وبظروف حياته الصعبة التي تتصاعد الشكوى منها في زمن التأزم الزاحف نتيجة تبديد القروض الضخمة وتفاقم سرقات المال العام في حمى توزيع الحصص الطائفية والحزبية وهي سنة النظام الطائفي القائم على التقاسم والمحسوبية والوصاية الاجنبية مع خط تشديد احمر.

يملك الرئيس نبيه بري والرئيسان الجنرالان إميل لحود وميشال عون كثيرا من الحقائق والوقائع عن تلك الحرب وخفاياها وقد كشفوا القليل فقط وثمة العديد من الوقائع الكاشفة من محاضر عوكر ومحاضر جولات كونداليسا رايس وجيفري فيلتمان ومعاونيهما على المقار السياسية والحزبية والحكومية وعن الدورين الفرنسي والبريطاني وعن أدوار الحكومات والسفارات الخليجية وعن دور وزارة الاتصالات اللبنانية واجهزتها وعن دور الأجهزة الأمنية اللبنانية.

كل ما نشر حتى الساعة ليس سوى القليل منذ اجتماعات التخطيط للحرب التي عقدت في واشنطن خلال ربيع العام 2006 ولقاءات شرم الشيخ التي قادها الأميركيون بعد ذلك وقد حددت اجتماعات واشنطن بنك الأهداف وعينت التوقيت لهجوم شامل ومدمر على لبنان في خريف العام نفسه قبل الموعد المقرر لنشر وثيقة بيكر هاملتون فالحرب التي أعدت لتصفية حزب الله وتعديل التوازنات في المنطقة او تغيير ما يسميه الخبراء بالبيئة الاستراتيجية كانت محاولة لعكس اتجاه التطورات التي حتمت تشكيل تلك المجموعة بقرار من المؤسسة الأميركية الحاكمة نتيجة الفشل في العراق وأفغانستان.

عملية الأسر التي نفذها المقاومون عجلت بقرار شن الحرب وبوضع الخطط المرسومة أصلا بجميع تفاصيلها قيد التنفيذ بما في ذلك تحضير معسكرات اعتقال داخل فلسطين المحتلة كان يفترض ان تتسع لآلاف اللبنانيين المقاومين والمناصرين للمقاومة الذين أعدت الاستخبارات الصهيونية لوائح بأسمائهم بالتعاون مع جهات لبنانية تولى التنسيق معها الاميركيون والفرنسيون والبريطانيون والسعوديون بانتظام من خلال قنوات اتصال امنية ودبلوماسية.

الحاجة إلى بناء رواية لبنانية موضوعية عن هذه الحرب ضرورية لوعي ولثقافة الأجيال الشابة التي تطاردها العصبيات الطائفية والمذهبية وهي تعيش نزوعا كبيرا للتمرد على المألوف والسائد تحت ضغط واقع الحياة اللبنانية الواحدة في الجامعات واماكن العمل ومجالات التسلية وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

المطلوب مبادرات نأمل انطلاقها وتلقفها في الجامعة اللبنانية لكتابة سيرة تجربة دقيقة وفاصلة ستشغل لعقود قادمة حيزا مهما في ذاكرتنا الجمعية وفي هويتنا الوطنية المغدورة بقوة الهيمنة الاستعمارية والعصبيات الطائفية التي ليست سوى أداة استتباع واستلاب وإخضاع جماعي للهيمنة التي قد لا يرى منها المواطن العادي غير أحد وجوه الوكيل المحلي المنتدب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى