“حزب الله فلسفة القوة”: إشكاليات وأسئلة: حميدي العبدالله
تكمن أهمية مناقشة ما ورد في كتاب «حزب الله: فلسفة القوة» بقلم ناصر قنديل في أنّ المسألة لا تتعلق بالمؤلف ولا بحزب الله بقدر ما أنها تطال مجمل الحركة الثورية الوطنية من خلال الدروس المستقاة من هذه التجربة الفريدة التي جهد المؤلف كثيراً للتعرّف على خصائصها التي قد لا يتمّ التعرّف عليها في أيّ حركة مقاومة ثورية مماثلة وشبيهة بحزب الله. المسألة المركزية التي يشدّد عليها المؤلف، وهي على أيّ حال إشكالية قديمة جديدة تتمثل بتمسك حزب الله بقوة وعناد كبيرين بعدم الانجرار إلى الصراعات والتمسك بأولوية دحر الاحتلال وبناء القوة القادرة على الردع والحؤول دون تكرار الاعتداءات .
لكن الإشكالية التي يطرحها البعض، والتي تستوجب نقاشاً عميقاً ومفصلاً ومقنعاً أنّ تحرير الأرض لم يقد إلى دحر الهيمنة والوصاية الخارجية على لبنان، بل إنّ الحرص على تطبيق مقولة عدم الانجرار إلى الصراعات الثانوية مهما كانت مبرّراتها هي التي قادت إلى تكريس الوصاية والهيمنة الأجنبية على لبنان، أو على الأقلّ على تحويله إلى ساحة يتساكن فيها نفوذ محور المقاومة مع نفوذ المحور «الإسرائيلي» ـ الأميركي ـ العربي ـ الرجعي هذه إشكالية حقيقية، لأنّ ما دفع حزب الله إلى المثابرة والعناد في رفض الانجرار إلى الصراعات الجانبية كان سبب أكيد في دحر الاحتلال الصهيوني، وتعاظم نفوذ حزب الله وقدراته وتحوّله إلى قوة إقليمية فاعلة، فلو أنّ حزب الله انجرّ إلى الصراعات الجانبية وسعى إلى الحسم والسيطرة على السلطة في بلد مثل لبنان متعدّد الطوائف والمذاهب، لما نجح بأكثر من إشعال فتيل حرب أهلية طويلة الأمد تصرفه عن معاركه ضدّ الاحتلال، بل لربما سهّلت على قوى الاحتلال والهيمنة النيل وضرب إشعاع وتأثير النموذج الذي أراد أن يكون له تأثير يتخطّى لبنان إلى المنطقة برمّتها. إذن هل شرط النجاح في تحرير الأرض والحفاظ على قوة الردع في مواجهة العدو، والتفرّغ لمواجهة مشروع الهيمنة الإمبريالي على مستوى المنطقة شرطه قبول الواقع الذي كرّس الوصاية والهيمنة الأجنبية على لبنان؟
هذا سؤال هامّ يطرح إشكالية لا تعني حزب الله في لبنان، بل تعني الحركة الثورية وحركة التغيير على مستوى المنطقة بكاملها.
على أية حال دينامية حركة الواقع تفرض ذاتها، وقد لا يستطيع حزب الله أو أيّ حركة ثورية تجاوزها في بعض الأحيان، هذا ما حدث في 7 أيار في الردّ على محاولة ضرب المقاومة، وهذا ما حدث في الانتخابات النيابية الأخيرة عبر الالتزام بإيلاء الشأن الداخلي أهمية أكبر بما في ذلك مواجهة الفساد الذي سيقود إلى توترات وفتح جبهات ثانوية تتعارض مع منظور أحد عناصر «فسلفة القوة»، ولكن حتى في هذا المجال نهج حزب الله حذر ودقيق ويأخذ بالحساب أصل هذه المقولة، ويفرضها قيداً على حركته في مواجهة مثل هذه التحديات.
هل حزب الله يرهن التغيير الجذري ورفع الهيمنة والوصاية الأجنبية ولا سيما الأميركية السعودية عن لبنان بانتصار مشروع المقاومة على مستوى المنطقة وإلحاق الهزيمة بالحلف المعادي؟ سؤال تطرحه مشاركة حزب الله الفاعلة في دعم قوى المقاومة على امتداد المنطقة، ولا سيما المنطقة العربية والتي يحاول البعض تشويه هذه المشاركة وإرجاعها إلى خلفية مذهبية، هذا الخيار له ما يبرّره ودول كبرى مثل مصر عبد الناصر وإيران ما بعد الثورة لم تستطع أن تردّ خطط الهيمنة والوصاية إلا من خلال نقل جزء من نضالها في مواجهة مشاريع الهيمنة والاستعمار والرجعية إلى خارج الحدود، فمن الطبيعي في بلد صغير مثل لبنان ابتلى بالانقسام المذهبي والطائفي الذي تغلغل في كلّ مسام المجتمع وتجذر فيه أن يدفع أيّ حركة ثورية جدية مثل حزب الله أن تنحو بهذا الاتجاه.
لا شك أنّ هذه الأسئلة، وهذه الإشكالية التي واجهت الحركة الثورية والوطنية في المرحلة السابقة، والتي عهد حزب الله إلى التصدّي لها عبر هذا النهج الذي ميّز تجربته، ستظلّ قضية إشكالية وموضع نقاش، ولكن الخوض فيها أمر مطلوب ونتائجه مفيدة، وهذا ما قاد إليه كتاب «حزب الله: فلسفة القوة» بنجاح كبير.