دول بحر قزوين توقع اتفاقا تاريخيا
بعد مفاوضات شاقة استمرت عشرين عاما محورها الغاز والنفط والكافيار، وقع رؤساء دول روسيا وايران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان الأحد اتفاقا تاريخيا يحدد الوضع القانوني للبحر الغني بالموارد، ما يمنح أملا بتخفيف التوتر الإقليمي وإقامة مشاريع نفط وغاز مربحة. وحضر الاجتماع في ميناء أكتاو في كازاخستان قادة روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان الذين وقعوا على اتفاقية تحدد وضع بحر قزوين المتنازع عليه منذ تفكك الاتحاد السوفياتي .
وقبيل التوقيع، أكد رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف أن القادة “يشاركون في حدث تاريخي”. وأضاف “بإمكاننا إقرار أن التوافق على وضع البحر كان أمرا صعب المنال واستغرق وقتا حيث دامت المحادثات لأكثر من 20 عاما واحتاجت الكثير من الجهود المشتركة من قبل الأطراف” المعنية. من جهته، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبرت بلاده القوة الرئيسية خلف الاتفاق إن هذه المعاهدة لها “أهمية تاريخية” داعيا إلى تعزيز التعاون العسكري بين الدول المطلة على بحر قزوين.
وكانت قمة الأحد الخامسة من نوعها منذ العام 2002 لكن عقد أكثر من 50 اجتماعا على مستويات أقل منذ تمخض تفكك الاتحاد السوفياتي عن أربع دول جديدة على ضفاف قزوين. ويضع الاتفاق تسوية لخلاف طويل الأمد حول ما اذا كان قزوين المساحة المائية المغلقة الأكبر في العالم بحرا أم بحيرة، ما يعني أنه يخضع لقوانين دولية مختلفة.
وإيران التي نالت أصغر حصة من البحر بموجب بنود الاتفاق، الخاسر الوحيد المحتمل. وفي هذا الصدد. وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني المعاهدة الأحد بأنها “وثيقة أساسية” لكنه أشار إلى أنها لا تضع حدا لجميع الخلافات المرتبطة بالبحر. وقال “لدينا اليوم إطار عمل متعلق بالأنشطة في بحر قزوين وهو ما لم يكن الحال عليه في السابق (…) لكن هناك مسائل أخرى ينبغي التعامل معها في اجتماعات لاحقة”. إلا أن روحاني أشاد بنص في المعاهدة يمنع الدول غير المطلة على قزوين من نشر قوات عسكرية في البحر. وقال “بحر قزوين ملك فقط للدول المطلة عليه”.
ولم يكن الوضع القانوني للبحر واضحا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يضم كل هذه الدول باستثناء ايران. وليس من المتوقع أن ينهي الاتفاق الجديد كل الخلافات لكنه سيساعد على تهدئة التوتر القائم منذ فترة طويلة في المنطقة التي تضم احتياطات هائلة من المحروقات تقدر بنحو خمسين مليار برميل من النفط وحوالى 300 الف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وأعلن الكرملين إن الاتفاق يبقي على الجزء الأكبر من بحر قزوين كمنطقة تتقاسمها الدول الخمس، لكنه يوزع الأعماق والثروات تحت البحر فيما بينها. وقال نائب وزير الخارجية الروسي غيرغوري كاراسين ان بحر قزوين سيتمتع “بوضع قانوني خاص”، لا كبحر ولا كبحيرة، ولكل منهما تشريعاته الخاصة في القانون الدولي. وقمة أكتاو التي تعقد الأحد في كازاخستان هي الخامسة من نوعها منذ 2002، بينما عقد أكثر من خمسين اجتماعا وزاريا وتقنيا منذ تفكك الاتحاد السوفياتي.
محروقات
ونشرت في حزيران/يونيو على الموقع الالكتروني للكرملين نسخة من الاتفاق الأولي اطلعت عليها وكالة فرانس برس قبل ان يتم سحبها. وقال الهام شعبان رئيس المركز الفكري “كاسبيان باريل” ان هذا الاتفاق “سيسمح بتوسيع إمكانيات التعاون” بين الدول الخمس المطلة على بحر قزوين لكن بعض البلدان قد تخرج منه رابحة أكثر من أخرى. فقد أعلنت تركمانستان إحدى أكثر الدول انغلاقا في العالم 12 آب/اغسطس “يوما لبحر قزوين” تكريما للاتفاق المقبل معبرة بذلك عن حماستها. ويأمل هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى والغني بالمحروقات انشاء أنابيب في أعماق بحر قزوين لنقل الغاز الذي ينتجه إلى الأسواق الأوروبية عبر أذربيجان.
وهذا المشروع الذي تقدر كلفته بخمسة مليارات دولار واجه في البداية معارضة دول أخرى في المنطقة، ويمكن أن تعترض عليه موسكو وطهران لأسباب تتعلق بالبيئة.
كافيار وقواعد عسكرية
بصفتهما القوتين الكبريين اللتين كانتا تهيمنان في الماضي على بحر قزوين، قد تكون روسيا وايران أكبر الخاسرين في هذا الاتفاق التاريخي. وأشار جون روبرتس المحلل في “اتلانتيك كاونسل” إلى أن روسيا اضطرت لتقديم تنازلات في بعض القضايا “لكنها كسبت نقاطا لأنها أخرجت وضعا من مأزق وصل إليه”.
كما أن الاتفاق يفترض أن يعزز الهيمنة العسكرية الروسية في المنطقة عبر منع أي دول أخرى من إقامة قواعد عسكرية في بحر قزوين. أما ايران، فيمكن أن تستفيد من الوضوح الذي يجلبه النص لإطلاق مشاريع مشتركة مع أذربيجان.
وكانت الجمهورية الاسلامية قامت في الماضي بمناورات بحرية للدفاع عن مطالبها في بحر قزوين. وبمعزل عن الاعتبارات الاقتصادية والعسكرية، يثير الاتفاق الأمل في حماية التنوع البيئي للمنطقة. وقال روبرتس ان كميات سمك الحفش الذي تلقى بيوضه تقديرا كبيرا في العالم ككافيار، يمكن أن تتضاعف “بفضل نظام حصص واضح ومشترك في مياه قزوين”.