المذبحة وعار الصمت
غالب قنديل
الكلام هو عن اليمن حيث يخرس كل الكلام امام هول الإبادة السعودية الأميركية للفقراء الحفاة العراة الأباة وحيث يفقد كل الكلام قيمته امام اجساد التلامذة الصغار المقطعة والمبضعة بقذائف الطيران وبصواريخ الحقد الأعمى على من تجاسروا ورفضوا الهيمنة وقاوموا العدوان على بلدهم فأبدعوا في الصمود والمقاومة.
ملحمة الصمود اليمني تثير الإعجاب والاحترام والحرج أيضا باستمرارها رغم قلة الحيلة والمناصرين ورغم الحصار الإجرامي المدموغ بأختام الدول الكبرى والصغرى في العالم فثمة عواصم مجرمة بتدبير هذا الفعل الوحشي والبربري لتجويع اليمنيين بغاية تركيعهم وعواصم اخرى جريمتها الصمت والقبول بمجازر العدوان وتغطية المعتدين القتلة بموقف أقله الصمت والتفرج.
لقد منيت حكومات كثيرة بسقوط اخلاقي مشين من خلال سلبية التعامل مع المجازر المستمرة من غير احتجاج ولو خجول على استعمال احدث منتجات المصانع الأميركية والبريطانية والفرنسية للسلاح والذخائر في ارتكاب المذابح وفي تحويل اليمن امام اعين العالم إلى حقل اختبار للأسلحة النووية التكتيكية ولأدوات القتل من الجو والبحر والبر ولتقنيات نشر الأوبئة والحروب الجرثومية في قتل الناس جماعيا وفي إبادة المحاصيل واغتيال كل صنوف الزرع والشجر ومنع الصيد البحري وحظر نقل أي غذاء عبر الموانئ.
رغم كل الرادارات الحديثة والبوارج الحربية المحتشدة يبدع اليمنيون في كسر الحصار بزوارقهم الصغيرة البدائية التي اعتادت التنقل والتموج على شواطئهم المديدة المتعرجة منذ مئات السنين وهم يهمسون للموج فيهدأ ويتلقف شباكهم ويجاري مجاذيفهم في سنة جارية من عشرات القرون عبر الزمن.
لن يركع الحفاة العراة الملتصقون بصخور الجبال من دهور يلونون أثوابهم بغبارها الذي ينغرس في مسام جلودهم السمراء وبينما تشق حجارتها وتدحرجها أقدامهم العارية كأنما تعبر حقولا مزهرة. تأتلف أقدام عشاق الجبال مع شقوقها ومهاويها وأنصال حجارتها الملونة بوهج الدماء المراقة على يد مجرمي الحروب الذين يتجبرون على التلامذة الصغار ويستخدمون تقنيات العالم الأحدث في قنص باص مدرسة حولوه إلى بركة دماء.
قالوا إنهم استهدفوا ضرب مطلقي الصواريخ الباليستية والصحيح ان كلمات تنقص العبارة في بلاغهم العسكري فالصحيح انهم استهدفوا مطلقي الصواريخ الباليستية ومهندسيها بعد خمسة عشر عاما لأن من قتلوا كانوا أطفالا صغارا لكن بينهم بكل تأكيد من سيصبحون بعد اعوام مهندسي صواريخ باليستية يجيدون الدفاع عن وطنهم بردع الطغاة المعتدين وسحقهم.
إنه نفسه منطق الخطاب الصهيوني الذرائعي المتوحش في تبرير قتل الأطفال الفلسطينيين هربا من المواجهة مع آبائهم وأشقائهم من الفدائيين وأبطال الميادين وليس التوقيع السعودي على إعلان المسؤولية بهذه الوقاحة سوى تنفيذ لأمر الفاعل الحقيقي أي الولايات المتحدة وإسرائيل وحلف الناتو بجميع اعضائه المشاركين في الجريمة.
دماء الأطفال لا تمحى وهي في تراب اليمن وبين الصخور ستنبت غابات السواعد المستعدة للقتال وهيهات ان ينطق الصامتون بين المحيط والخليج ودولارات النفط جارية إلى جيوب القادة والمسؤولين والكتبة والمتحدثين تخالطها دماء الأطفال التي تلطخ جباه المتورطين والصامتين وتميزهم بوصمة العار.
ستنطق الجبال ولاينطقون فالنفط يربط الألسنة ويسمم العقول ولكن فضيحتهم تكبر وعهرهم ينكشف امام الأجساد الصغيرة المقطعة في وليمة المصالح الخسيسة وامام الأحلام المحروقة للطفولة المغدورة في باصات المدارس.
جميع المسايرين المتلعثمين الخائفين هم شركاء في وصمة العار اليمنية ومعهم جميع من يبادلون الأخلاق والقيم بالأموال وبالرضا السعودي فيخترعون الذرائع تارة باسم الواقعية وطورا باسم العروبة التي قتلوها وشربوا دماءها في أنخابهم حين صمتوا على مذابح اليمن.
اما المتحذلقون في الثرثرة عن حقوق الإنسان فهم محترفو العقوق بالإنسان. يقتلون بصمتهم المشين كل إنسان عربي في كل أرض عربية.
أيها المتواطئون … أيها الصامتون … مذابح اطفال اليمن هي فضيحتكم وكاشفة استعبادكم لشبكات الاستخبارات ولنخاسة عالمية حديثة تجند أصحاب الرأي في جيوش الرقيق الحديثة ليغطوا قتلة مجرمين يستبيحون الملايين بدافع حقد وثأر من نسمة حرية،من حشرجة احتجاج في حنجرة طفل ذبيح، أو أم جريحة. وفي الحصيلة سينتصر الدم اليمني على وحوشكم المعدنية وعلى قلوبكم المتحجرة وعقولكم الإجرامية الشيطانية وسيطاردكم الأطفال في غرف نومكم وكوابيسكم البشعة ويسحقون ذرائعكم الشاحبة مثل وجوهكم المنفوطة.