من يحاسب المتورطين؟
غالب قنديل
بينما يتحضر العالم لانتصار سوري باهر يجب ان يمتلك احدما في لبنان جرأة الحساب السياسي مع القيادات اللبنانية التي تورطت بالحرب على سورية وراهنت على كسر الدولة السورية والتخلص من الرئيس بشار الأسد ومن دوره القيادي في محور المقاومة وهو حساب لابد ان يعتمد الحصاد الكارثي لمراهنات فريق الرابع عشر من آذار وارتهانه للمخطط الأميركي السعودي وانخراطه في فصول تنفيذية امنية وعسكرية وإعلامية وسياسية في العدوان على سورية ولابد من استحضار واستذكار خطابات وليد جنبلاط وسمير جعجع وسعد الحريري التحريضية والعدائية التي كانت وما زالت من ادوات تعميم الأحقاد وهي تقف خلف نهج القطيعة الرسمي مع الدولة السورية التي احتفظت بمقعدها الرسمي في مجلس الأمن الدولي في ذروة الإعصار العدواني الذي استهدفها على جميع الأصعدة .
لم يتعود النادي السياسي اللبناني على المحاسبة لأن الولاء للزعامات والقيادات السياسية متداخل مع العصبيات الطائفية التي يغذيها النظام القائم بشتى وجوه عمله ولذلك لا وجود لمفردات النقد الذاتي في الممارسة السياسية حتى لدى الأحزاب والحركات التي تقدم لنفسها صورة مغايرة عن القوى التقليدية التي تشارك في السلطة السياسية منذ عقود حيث يصبح النقد الذاتي نوعا من الفولكلور والكلام السطحي الذي لا طائل جديا منه.
انعكاسات التورط في العدوان على سورية لم تقف عند حدود المغامرة بإشعال اكثر من حريق طائفي او مذهبي داخل لبنان وهي تخطت ذلك إلى تحويل العديد من المناطق مرتعا لعصابات التكفير التي لايمكن ضبطها ومنع ارتدادها وهو ما برهنت عليه التجربة من خلال ما جرى في طرابلس وعكار وصيدا وساحل الشوف وعرسال وغيرها وتم تمرير الاحتواء الأمني والسياسي لكوارث كبيرة دون تحديد المسؤوليات او تكبيد المسؤولين الثمن المعنوي على الأقل.
لقد جرى عمليا التواطؤ على لفلفة الملفات ذات الصلة “بتوافق وطني” وبرغبة جامعة في تحاشي خضات سياسية ستثيرها المحاسبة حتى النهاية فرسمت سقوف للملاحقات والمحاكمات بينما يعرف جميع المعنيين ان رؤوسا سياسية كبيرة شاركت في نقل المال القطري والسعودي وأشرفت على تهريب السلاح والإرهابيين ونظمت الحملات الإعلامية وأقامت شبكات الاتصالات وحصدت اموالا وافرة من عائدات المشاركة في العدوان على سورية ومن استغلال النزوح السوري.
ما زالت القوى المتورطة مصممة على نهجها العدائي المتواطئ والمتدخل في الشأن السوري خلافا للنأي المزعوم ورغم النهج الغفور الذي سلكته قوى الثامن من آذار التي تشكلت في يوم الوفاء لسورية عام 2005 وتغاضت بعد ذلك عن الجرائم بحق سورية وأمنها وشعبها وعن الطعنات التي تلقاها حليف المقاومة وظهرها الذي أثبت فاعليته في دعم منظومة الدفاع عن لبنان خلال حرب تموز وبشراكة مقاومة الإرهاب التكفيري واحترم خصوصيات الوضع اللبناني التي تراعيها قيادة المقاومة التي ساهمت فعليا في الدفاع عن سورية وجاهرت بموقف مبدئي واضح وحاسم ضد العدوان الاستعماري الصهيوني السعودي الذي استهدفها.
النتائج الاقتصادية والسياسية والأمنية للتورط في الحرب على سورية يدفع ثمنها لبنان وهي لاتزال متمادية بتصميم القوى المتورطة على منع التواصل مع الدولة السورية في أي شأن مشترك وليس فحسب بشأن عودة النازحين السوريين إلى كنف دولتهم الشرعية التي حررت معظم المناطق السورية وباتت تحكم سيطرتها على المزيد وتتأهب لخطوات واسعة النطاق خلال الأسابيع المقبلة.
في أي بلد يحترم اهله ومصالحهم القريبة والبعيدة تجري محاسبة علنية سياسية وقضائية على مثل هذه الجرائم المتمادية وتشكل لجان التحقيق القضائية والبرلمانية وليس من الفراغ ان يتمسك ثلاثي العدوان على سورية بالعصبيات الطائفية والمذهبية التي يحتمي بها من منطق الدولة والمؤسسات ومن قوة الحقائق التي تدينه بارتكابات خطيرة ضد سيادة الدولة وضد الأمن الوطني.